زهير ياسين آل طه

إدارة الذكاء في الثورة الصناعية الخامسة

الأربعاء - 18 أغسطس 2021

Wed - 18 Aug 2021

قد يصدق من يعتقد أننا نعيش على حافة النهاية للثورة الصناعية الرابعة والتي بدأت عام 2011 كمبادرة من الحكومة الألمانية، والتي حملت شعارا خاصا بها للتصنيع الذكي للمستقبل، وهي تسير بنفس الهدف أو ما شابهه للثورات السابقة، ويكمن في زيادة الإنتاجية وتحقيق الإنتاج الضخم باستخدام التكنولوجيا المبتكرة، والتي تتضمنها تقنيات ذكية رقمية كإنترنت كل الأشياء والذكاء الاصطناعي والروبوتات والبيانات الضخمة والحوسبة السحابية، وروابط أخرى متعلقة بالذكاء في حياتنا الاقتصادية والاجتماعية والطبية والبيئية وغيرها مما يعد مساعدا لهذه الثورة الصناعية الذكية في تحقيق شعارها.

ومن ينتقد هذه الثورة الصناعية الرابعة الذكية ويتخوف منها لارتباطها بمبادرة حكومية من الأعلى للأسفل وبهدف محدد، وما قد تحدثه من خلل وإرباك في حركة الموارد البشرية وانسيابية جريانها المعتاد، ويخيم عليه الخوف من عدم التشافي بأنها موطن انزلاق وانكسار وهبوط مخيف للاقتصاد والأعمال وفقدان الأمان، فهو محق من ناحية عدم الاستعداد الاستراتيجي والتوجيهي المفترض من الأعلى للأسفل الهرمي للتخفيف من هول الحدث، مما يصنع وصنع حالة من الرفض والإحباط ضد التسارع التقني الذكي الحالي وفي المستقبل الذي تستعد له الثورة الصناعية الخامسة محل أنظار العالم المنصدم بالتطور والتغيير السريع.

الثورة الرابعة في حقيقتها تحمل الكثير من الإيجابيات التي غيرت من نمط الحياة وساعدت على تخطي الكثير من التعقيدات والحسابات المعقدة التي استطاعت البرمجة والذكاء الاصطناعي أن تنجزها في أوقات قصيرة، ليس تقليلا في الذكاء الإنساني بل من منطلق التكامل الذي صنعته الحاجة والمنافسة، وهي في حاجة ماسة أيضا للاستخدام الأمثل الآمن الموثوق والمدقق والموثق والأخلاقي المبني على حماية الخصوصية تحت طائلة القانون، وسيزداد الطلب على هذه المتطلبات للنزول بخوف الممارسين والمستخدمين لأقل المراتب، لتأكيد المصداقية والموثوقية من أجل استدامة الحركة التطويرية والإبداعية في الإنتاج المطلوب وسرعته وكميته ضمن شعار الثورة الرابعة، حتى يتم الترتيب للدخول وقبول معطيات الثورة الخامسة والتي ستدخل في نطاق أكثر تعمقا بين ذكاء الإنسان والآلة.

وواضح من التوجه الذي تخططه الاستراتيجيات التنافسية العالمية في صناعة المستقبل الذكي؛ أن الثورة الصناعية الخامسة قادمة وبسرعة في دمج العمل بين الإنسان والآلة بشكل مختلف مما نحن الآن عليه، بحيث يبدأ الإنسان ويبدع وتكمل الآلة الذكية من خلال التعلم العميق والأعمق، ومفترضا وبقوة أن تنفرد الثورة الخامسة الأكثر ذكاء بتغيير واستغلال ما تنتجه الطبيعة لتطويع النظام البيولوجي لخدمة البشرية واستدامة الأرض مما يحدث لها من انتكاسات مناخية وكوارث بيئية وصحية أيضا، وإلا سنعيش مستقبلا ذكيا تنافسيا للآلة وتعلمها مؤلم ومحبط لحياة وصحة وسلامة البشر، مما يخالف أهداف التنمية المستدامةSDGs التي أقرتها الأمم المتحدة وأعطتها عام 2030 تاريخا للتحقيق، والذي قد لا يتحقق كما يراد له بسبب الأوضاع المأساوية التي تواجه العالم من وباء فيروس الكورونا كوفيد-19 ومتحوراته وارتفاع لحرارة الأرض وكوارث حرائق الغابات في العالم وتكرارها والجفاف والتصحر والفقر والتعطل والبطالة والركود الاقتصادي.

فهل ستوفي الثورة الصناعية الخامسة ما يؤمل منها في قلب الموازين بالذكاء لصالح الأرض والبشر من ناحية تطويع النظام البيولوجي للطاقة في الزراعة والمياه والغذاء بعد أن انتكست منذ الثورة الثالثة وخلال الرابعة في سلسلة من الكوارث المصطنعة والطبيعية على حد سواء، والتي عانى منها الجميع وازدادوا ألما مع الجائحة الأخيرة؟ وهل ستخلق تغييرا جذريا للنظام العملي والفرص العملية والوظيفية الجديدة التي تؤمن للإنسان حياة كريمة أم حياة سقيمة؟

فالقدرة على إدارة الذكاء وتحليله في الزمن الصعب القادم من خلال «الذكاء في تطوير قياس الذكاء والإبداع والابتكار» من وجهة نظري مطلب مهم يتوجب الترتيب له من الآن استعدادا للثورة الخامسة التي تدمج إبداع الإنسان وذكاءه بذكاء الآلة أي بتطوير الذكاء الهجين الجماعي إن صح التعبير، والسبب يكمن في أن الذكاء بتشعباته الاستراتيجية والعاطفية والإنسانية والاصطناعية في عمل التنظيمات ومنتجاتها المبتكرة في حاجة للربط والموازنة والتحليل الدقيق لتفادي التأثير السلبي المبهم في الثورة الخامسة من توقع لاستحواذ الآلة على النصيب الأكبر المنافس للإنسان وبدون خلق وظائف بديلة والترتيب لها، ونبدأ باستيعاب فهم الجودة الرابعة Quality 4.0 والاستفادة من بحث «أدريانا فينتورا كارفالو» وزملائها عام 2021 من جامعة بيرا الداخلية في البرتغال بعنوان «Quality 4.0: An Overview» في التطوير من خلال تحديد التجانس والتباين، حتى نخرج بمؤشرات وبقياس يتناسب مع حاجاتنا وحاجات الثورة الخامسة.

وقد تخرج جودة خامسة Quality 5.0 بديلا عن الرابعة بل تقفز عليها وتتخطاها بسرعة لتكون الفاصل لبناء الثقة والمصداقية وتخفيف الصدمة من كوامن الخوف الذي يحوم بين المجتمعات بسبب تعاقب الثورات التقنية والحوسبية والرقمية المتسارع والمغير لنمط الحياة التي اعتادت عليها البشرية، استنادا على ما يتم تأسيسه من مواصفات عالمية مقيدة بالقانون والتوجيه والإرشاد والتوثيق أيضا في الأيزو ISO وIEC وUL وغيرهم بتطبيق الذكاء الهجين الجماعي المطور في عمل المواصفات وتحليلها وربطها ببعض لتطبيقها واختبارها وتقييمها وقياسها بذكاء على منتجات الثورة الصناعية الخامسة القادمة في المستقبل القريب.

zuhairaltaha@