أحمد الهلالي

سيناريو مسلسل رشاش ينحاز إلى الشر!

الثلاثاء - 17 أغسطس 2021

Tue - 17 Aug 2021

كتبت مقالة عن مسلسل رشاش في بداية عرضه، تناقش الجدل المائر حول جدوى العمل، واتخذت موقف المدافع، باعتبار الدراما ليست محضنا تربويا محضا، وكان دفاعي مبنيا على ظنيات مسبقة، بنيتها على ثقتي في المنتج، ثم على مخزوني من الدراما العالمية في مثل موضوع (رشاش)، ثم على تصوري لسلوك المجرمين وقطاع الطرق فهم أشرار انفلتوا من عرى الفضيلة والمواطنة الصالحة، مهما كانت الدوافع النفسية.

جل تلك الأفكار خذلها سيناريو المسلسل، وإن كنت لا أزال أعتبره الأيقونة الأبرز في الدراما السعودية على الأقل، لكن مشاعر الخيبة غزتني بعد الاستمرار في متابعة الحلقات المنجمة، وتكاثرت تلك المشاعر حتى بلغت أوجها في الحلقة الأخيرة.

المسلسل مستوحى من أحداث حقيقية، استعرضها بحبكة درامية وليست وثائقية، و لغياب تفاصيل الأحداث الحقيقية من مصدر موثوق؛ لا نملك إلا رواية المسلسل، وهي محبطة؛ لأنها تكرس تفوق وعظمة شخصية رشاش تبعا لتركيز الكاتب على استبطان سيكولوجية رشاش، فظهر الجهاز الأمني بصورة باردة مهزوزة ضعيفة، تجلى بعض ذلك في المواقف الآتية:

ـ انحاز العمل إلى شخصية رشاش، فانتقى إلى جوارها شخصيات قدمت أداء دراميا مقنعا، بينما كان أداء الشخصيات في الجهاز الأمني أقل من المأمول، فشخصية الملازم فهد ليست مكافئة لشخصية رشاش، وشخصية العقيد عزام ـ بلباسه العسكري المترهل، وخلو صدره من النياشين ومن لوحة الاسم ـ شخصية منفعلة مهزوزة لا تمثل شخصية القائد الأمني الفطن الخبير، ناهيك عن شخصيات الضباط الآخرين.

ـ كرس السيناريو تفوق شخصية رشاش رغم شح الموارد والأدوات، فكان يحصل على معلومات كثيرة، واستطاع اختراق مركز الشرطة فنال ولاء أحد ضباطه ليصبح رشاش عليما بما يدور فيه، واستطاع وصول منزل المخبر وقتله، واستطاع مراقبة فهد وأسرته رغم معاناته وإصابات زملائه، فبدا الجهاز الأمني خائرا ضعيفا لم يستطع الوصول إلى معلومات تحد من نشاط العصابة الإجرامي، رغم وجود المخبرين والضحايا، أما مدير الشرطة المرتبك فمجرد تابع لفهد، الذي لولا وجوده لما استطاع الجهاز الأمني القضاء على العصابة مطلقا.

ـ كانت شخصية رشاش تتفوق في التخطيط والتنفيذ، واقتضى السيناريو لقاء الخصمين (رشاش/ وفهد) فجاء اللقاء الأول ركيكا في منطقة (الحوية) رسم شخصية فهد بصفتها الفردية، البعيدة عن شخصية رجل الأمن بحسه الأمني وذكائه وفطنته وحدسه، فلم يلفته وجود رجل مقنع داخل المحل التجاري، ليخرج ويلتقي رشاش شاهرا سلاحه، ومحاطا بعصابته المسلحة في وضح النهار، يتحداه صراحة، ويغادر منتشيا.

ـ صور السيناريو مشاهد سطو مقنعة، يبررها سلوك المجرمين، لكنه تطرف كثيرا في مشهد تفجير الشاحنة، وأخفق وهو يصور نفرا من المسلحين يوقفون طابورا طويلا من السيارات في منطقة مفتوحة من الجهتين ويتجولون بأسلحتهم وسلوكياتهم المرعبة، فقصر غريزة الخوف على الاستسلام وانتظار السلب والقتل، ولم تهرب سيارة واحدة من كلا الجهتين، عدا تهور مواطن، أطلق النار فقتلوه على الفور.

ـ دخول الضابط فهد إلى اليمن بزيه العسكري دون مرافقين، وضربه وإهانته على مائدة العشاء، وصمت المضيف عن الملاسنة، وعن المصارعة في المجلس المكتظ، وتفوق رشاش وعودة فهد خائبا، كانت من صور ضعف الجهاز الأمني، التي دأب المسلسل على تصويرها.

ـ أما الحلقة الأخيرة فكانت وبالا وخيما، وهي تعزز فردانية الجهاز الأمني في صورة النقيب فهد، ولم تكتف بذلك، بل صورت غباء الجهاز الأمني، الذي يرسل رجلا منفردا لمواجهة مجموعة من المجرمين، دون توقع لسيناريوهات أخرى، فيقع في الأخطاء واحدا تلو الآخر، ينزل من الطائرة وحيدا دون احتياطات كافية، ولم يدر في حدسه الأمني أن يكون مخططا من رشاش للقضاء عليه، يتقدم بيدين مشغولتين إحداهما بمسدس والأخرى برهينة ضخم الجثة، فيأخذ خنجر اليمني ويلقي بها قريبا منه، يتشتت وهو يراقب سيارة اليمني تتحرك، ولا ينتبه لرشاش وهو يأخذ الخنجر ويقطع وثاقه، ليتفوق أيضا ويفلت من قبضة فهد (الضعيف)، الذي يطمئن رشاش أن الدعم لن يصل إلا بعد 20 دقيقة، ثم يصور غباءه وهو يتعرض لطلقة الرصاص في بطنه، بعد خيبته في عد الرصاص، فلم يدر في حدسه أن رشاشا يحمل رصاصا، وهو لم يفتشه أصلا!

ـ استخفاف السيناريو بعقل المشاهد في (القبض على رشاش)، فالضابط فهد الذي لم يستطع السيطرة على رشاش وهو في كامل قوته، استطاع أن يسيطر عليه ويقتاده وهو مصاب بطلقة نارية في بطنه، فكيف يكون ذلك؟ ورشاش تفوق على اثنين قبل لحظات! فهد والآخر الذي نزل من الطائرة، فكل تلك العظمة التي رسمها السيناريو لرشاش جعلت من غير المنطقي أن يستسلم بتلك الطريقة، لشخصية ضعيفة مصابة!

ـ مشهد فهد الخانع الصامت تحت صيحات رشاش في السجن وتحدياته، وصلابة رشاش ونظراته الحادة، ورأسه الشامخ وهو يسير بثبات إلى الإعدام بنفسه، كل ذلك كرس جبروت الشخصية وبسالتها وقوتها، وأكمل صناعة شخصية رشاش (رمزا للتمرد والشجاعة)!

ختاما: لم يوفق السيناريو في إبراز الجهاز الأمني بالصورة اللائقة، بل كان مكرسا لشخصية الشر (رشاش)، على مستوى الشخصية، والحوارات والأفعال والمواقف، وهذه السقطات الكبرى للسيناريو تجعلني أتراجع عن مقالتي السابقة التي اعتبرت فيها المسلسل كالأعمال العالمية التي تسلط الضوء على دهاء وذكاء وقوة الأجهزة الأمنية، فإن تقاسم الأشرار البطولة مع الأخيار، وتعرض الأخيار لنكسات، فإن النهايات تبرز صورة الأخيار ناصعة مشرقة، ليست كما شاهدنا في هذا المسلسل الذي هللت له بداية، فخيب ظني!

ahmad_helali@