زيد الفضيل

تاريخنا بعيون صهيونية

السبت - 14 أغسطس 2021

Sat - 14 Aug 2021

وصلني من أستاذي الدكتور عبدالرحمن الشملان مقطع مصور يتحدث فيه ميخائيل لبكة، وهو أحد أساتذة قسم اللغة العربية وآدابها في الجامعة العبرية بإسرائيل، عن ظروف توقيع نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم لمعاهدة صلح الحديبية مع سادة مكة في السنة السادسة للهجرة، وفيه حاول الدكتور الإسرائيلي لبكة التلويح بالأسباب الخفية التي جعلت النبي عليه الصلاة والسلام يقبل بتوقيع معاهدة أقل ما يقال عنها بأنها مجحفة، مشيرا إلى أن سبب ذلك راجع بزعمه إلى رغبة النبي في قطع حالة التحالف بين قريش ويهود خيبر، ليتمكن من القضاء على اليهود فيستقيم له حكم الحجاز وفق قوله، على أن النبي وفق قوله لم يكتف بذلك، بل عمل على قطع تحالف اليهود مع مختلف القبائل البدوية المجاورة، واستخدم عليه الصلاة والسلام وفق زعمه الكاذب سياسة الاغتيال السياسي بهدف تصفية خصومه، إلى غير ذلك من الأكاذيب التي أراد منها نسج دور محوري لليهود بعكس ما كانوا عليه، ثم ختم تسجيله المصور بالإشارة إلى خريطة معلقة خلف رأسه رسمها مركز المدينة المنورة للدراسات والبحوث، وفيها إشارة إلى مختلف المواقع الأثرية في طيبة الطيبة ومنها أطم حصن بني قريظة، لينهي الفيلم القصير جدا بنداء استغاثة درامي للباحثين والآثاريين ليكشفوا عن آثار حصن بني قريظة في المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والتسليم.

وواقع الحال فلا إشكال لدي في مناقشة ما ذكره الباحث الإسرائيلي بصورة منهجية، وبالإمكان الجواب عليه بسهولة مع بيان جهله وكذبه ومحاولة تضخيمه لدور اليهود سواء في يثرب أو خيبر، وهم الذين لم يستطيعوا مواجهة النبي بعد انتصاره الإلهي في غزوة الأحزاب، ثم هزيمتهم بخيبر على يد الإمام علي بن أبي طالب الذي جندل قائدهم، فسلموا واستسلموا سريعا.

كما لم يلفت نظري إقحامه لاسم السرخسي وهو الفقيه الحنفي شمس الأئمة محمد بن أحمد السرخسي المتوفى سنة 490هـ، وحتما فلا إشكال أيضا لدى أستاذي الدكتور الشملان، الذي أؤمن بأنه لم يندهش لإقحامه السرخسي في الحديث، لكونه هو من علمني وزملائي خبث نوايا اليهود جملة والصهاينة بوجه خاص، الذين لم يقتصر أذاهم علينا في الوقت الراهن، بل هو ممتد منذ نشأتهم، ومستمر عبر مختلف القرون، وعلى كل الأصعدة والمجتمعات، فما دخلوا أرضا إلا أفسدوها بسوء سريرتهم، وكيف نرجو الخير والصلاح من قوم جاهروا الله بعدائهم، وآذوا أنبياءه بل وقتلوهم شر قتلة.

أليسوا هم من أسس لقاعدة الكذب والخديعة بروايتهم المخزية في سِفرهم المكذوب لقيام نبي الله يعقوب بالكذب والخديعة ليأخذ بركة النبوة من أبيه إسحاق الذي كان يريد أن يعطيها لابنه الأكبر عيسو، حيث ورد في سفر التكوين أن إسحاق عليه السلام لما كبر وكُف بصره دعا ابنه الأكبر عيسو وطلب منه أن يصطاد له جديا ويطبخه حتى يباركه، فذهب عيسو للصيد كما أمره أبوه، إلا أن أمهم كانت تحب الابن الأصغر يعقوب أكثر من أخيه عيسو، وأرادت أن تكون البركة له، فدعته وأمرته أن يحضر جديا فيطبخه، وأن يلبس ملابس أخيه، ويضع فوق يديه جلد جَدي حتى يبدو جسمه بشعر مثل جسم أخيه عيسو، فيظن إسحاق عليه السلام أنه هو فيباركه، ففعل يعقوب عليه السلام ذلك، وخدع والده بل وكذب عليه بتأكيد ادعائه بأنه عيسو، وفاز بالبركة بهذه الحيلة، وحال اكتشاف عيسو للأمر لم يكن أمامه إلا الصراخ والعويل لفوات البركة.

هكذا كان وصمهم لأبيهم يعقوب ووصفهم له بالكذب والتزوير وأخذ ما ليس له بالاحتيال، وهو وصف ممتد لسيدنا إسحاق بالجهل والغباء، كما أنه تجاوز من قبل ومن بعد على الله بادعائهم أن النبوة والبركة يتم توريثها دون إرادة وتعيين منه جل جلاله، وإذا كان ذلك بحق نبيهم المنتمين له فكيف سيكون وصفهم لنبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي جاء على غير رضا منهم، وكانت إرادة الله التكوينية أن يكون من غير جنسهم؟ حتما الأمر سيكون أشد وأنكأ، وحتما فعداؤهم لم يتوقف منذ اللحظة التي ظهر فيها سيدنا محمد وحتى قيام الساعة.

على أن قصص اليهود وظلمهم لأنبياء الله لا تتوقف عند نبي معين أو نص محدد، ويمكن لمن أراد التتبع البحث عنها في مضانها البحثية، وحقيقة الأمر فلست على الصعيد الشخصي متوجسا من مختلف الافتراءات التي ساقها اليهود وأعوانهم، والتي تم نشرها عبر عدد من الكتب، لكوني كنت أؤمن بأن من سيقرأها هم من النخبة الواعية، إذ لم نتعود من أولئك الوهميين وأتباع كل ناعق أن يُجهدوا أنفسهم بالقراءة، ولهذا كنت غير متوجس من أي قول ينطقونه افتراء وكذبا.

غير أني اليوم متوجس وخائف بشكل كبير، ذلك أن كذبهم قد تسلل إلينا عبر فيلم قصير ونص مسجل، وبالتالي صار قريبا من كل الرويبضة والمتفيقهين الذين ابتلانا الله بهم، وصار يشار إلى بعضهم بلقب الكاتب والدكتور، ولعمري فتلك هي مصيبتنا المعاصرة، والعجيب أن أخبارا كهذه ملفقة ومبتورة بل وغير منطقية هي ما يجدون أنفسهم فيها، لكونهم لا ينطلقون من قواعد منهجية، بل تحركهم شهوة الكلام وغريزة الشهرة، وهما أهم وسيلتين لحبائل الشيطان، حليف اليهود في عدائه لكل إنسان صادق على هذه البسيطة.

أخيرا أذكر نفسي بقول الله تعالى في سياق ما نتحدث عنهم: {ضربت عليهم الذلة أين ما ثففوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون}.