ياسر عمر سندي

بين المطرقة والفنجان

الأربعاء - 11 أغسطس 2021

Wed - 11 Aug 2021

عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الإنسانية من المفترض أن تعزز الأخلاقيات التعاملاتية؛ ورمزية «المطرقة» بعنوان المقال أعني بها سوء السلوك اللفظي والفعلي المستخدم ضد المقربين ومن في حكمهم من ذوي القربى الأسرة والعائلة والرحم والصهر والصداقات والجيران؛ الذين أشبههم برمزية «الفنجان» لوجوب إكرامهم ولين الجانب معهم.

من الطبيعي أن تحدث الاختلافات المؤدية للخلافات لأن العلاقات البشرية قائمة على مبدأ المشاحة؛ أي أن الناس بطبيعتهم وطابعهم يمتلكون في الأصل الحرية وتحمل المسؤولية اللتين تدفعهما إلى التوازن في استجلاب المنفعة واستبعاد المضرة؛ ولكن يصاب البعض بانتكاسة أخلاقية ليتعاملوا بنرجسية الأنا وجنون العظمة المضادين للمجتمع؛ فتظهر شخصية المطرقة التي تنهال على رؤوس الآخرين لمصادرة حرياتهم وقراراتهم بالظلم والتعسف واستخدام تلك المطرقة إسقاطات تهشيم زجاج العلاقات بسلوكيات التنمر والعنف والسطوة والفضول والتجسس؛ من منطلق «أكبر منك بيوم أعلم منك بسنة» أو بذريعة وجوب احترام الأكبر سنا حتى وإن كان مخطئا أو بحجة فرض الوصاية والهيمنة؛ وهي أعذار واهية وغير مقبولة.

من المبادئ الدينية والعرفية أن لا يتم اختراق حدود الغير النفسية والزمانية والمكانية إلا بالحسنى والاستئذان كإصلاح ذات البين وتقديم النصح والإرشاد حتى تتم المحافظة على تلك المسافة البينية التي تسمى بشعرة معاوية، لأنه من الصعب إعادة تجميع ما تم كسره وإن حصل ذلك تظل هنالك خدوش وتشققات تعلو شفافية الفنجان وتشوه رونقه الجميل بما علق في النفس من تراكمات قد تمتد إلى سنوات.

قال عليه الصلاة والسلام «أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا اؤتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر».

الفجور في الخصومة هي تلك الخصلة الرابعة التي أشار إليها نبينا الكريم واعتبرها من صفات المنافقين المذمومة شرعا وعرفا أي دينيا ومجتمعيا وهي شاهدنا في هذا المقال؛ فالمنافق يظهر ما لا يبطن للغير مهما اجتهد في تلميع صورته الخارجية؛ لأنه يتجمل في التعامل حتى تحين فرصته ويظهر على حقيقته الصادمة أثناء الحوار بالغيبة والنميمة والشتم والتجريح والتأليف والتزليف؛ خصوصا إذا حضر شياطين الإنس وأباليس الجن لإشعال الفتيل وإرداء القتيل وتزيين الكثير والقليل؛ هنا يجب أن أشير إلى الحيطة والحذر من هؤلاء (المطارق) قدر المستطاع والتعامل معهم بحدود؛ لأن ما حصل مع الآخرين حتما سيحصل معك.

كم من مقصود لم يفهم معناه وكم من مفهوم لم يقصد مؤداه وهي مجمل المشكلات التي نواجهها في حياتنا اليومية؛ يقول الإمام علي كرم الله وجهه «أحبب حبيبك هونا ما، عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما، عسى أن يكون حبيبك يوما ما»؛ ربما تهدأ النفوس وتركد فرائصها بعد مدة وقد انطلق العيار الناري الذي يصعب عودته إلى سابق حالته؛ فالرصاصة إذا انطلقت فسدت وربما أصابت وقتلت.

قمة الأخلاق الإسلامية الرادعة في كبح جماح النفس عن فجورها وإلزامها بحدود تقواها حتى وإن كان الخصم ليس محبوبا أو ممن تبغضه النفس ولا تهواه؛ فالاعتدال يحضر والعدل يأمر ليأخذ كل ذي حق حقه قال تعالى «ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى» سورة المائدة الآية 8.

وقال عليه الصلاة والسلام: «من طلب حقا فليطلبه في عفاف واف أو غير واف»، هذا العفاف هو تطهير النفس واللسان وإمساك الجوارح والجنان؛ فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.

Yos123Omar@