سالم الكتبي

الغنوشي ولعبة صرف الأنظار

الأربعاء - 11 أغسطس 2021

Wed - 11 Aug 2021

اعتاد تنظيم الإخوان المسلمين في كل الدول ممارسة لعبة صرف الأنظار عندما تحاصره الأزمات، حيث يتهرب من مواجهة الحقائق كونه لا يعرف للإقرار بالأخطاء سبيلا، وهكذا تماما يحاول أن يفعل حاليا في تونس عندما يزج باسم الإمارات فيما يحدث في هذا البلد العربي من تطورات سببها الرئيس فشل الإخوان على الصعيدين الحكومي والبرلماني منذ تصدرهم المشهد السياسي التونسي منذ عقد كامل!

راشد الغنوشي رئيس البرلمان التونسي وزعيم حزب «حركة النهضة»، التي تمثل الكتلة السياسية الأكبر في البرلمان، لم يشغل نفسه بمراجعة الذات واستكشاف الأخطاء التي وقعوا فيها طيلة الفترة الماضية، بل قفز بسرعة شديدة وبشكل يثير السخرية على الحقائق والواقع التونسي الذي يعرفه الجميع، متهما دولة الامارات بأنها «مصممة على إنهاء الربيع العربي»، زاعما أن الإمارات «تعتبر الإسلاميين الديمقراطيين تهديدا لنفوذها»، وكأنه يصدق أن إخوان تونس وغيرهم من الجماعات والتنظيمات المتطرفة المحسوبة زورا على الدين الإسلامي الحنيف تعتنق الديمقراطية نهجا سياسيا (!) لاسيما أن الواقع الفعلي قد نسف هذه الادعاءات في ممارساتهم الإقصائية في تونس، وكذلك في تجارب سياسية أخرى بدول عربية أخرى نعرف جميعا أنها انتهت جميعها بالفشل والرفض الشعبي المطلق لوجود هذه الجماعة من الأساس وليس فقط للعبها دورا سياسيا!

الغنوشي يقول إنه وغيره ممن يصفون أنفسهم بالإسلاميين الديمقراطيين يمثلون «تهديدا لنفوذ الإمارات»، وهنا تقفز أسئلة عدة بديهية ومشروعة هي: لو أن إخوان تونس ديمقراطيون بالفعل فلماذا انقلب عليهم الشعب التونسي كما شاهد الجميع في الأسابيع الأخيرة؟ وكيف للإمارات أن تقف وراء هذه الأحداث والكل يسلم تماما بأن التجربة التونسية مختلفة عن سواها من تجارب ما يوصف بـ «الربيع العربي»؟، وكيف للإمارات أن تتورط في مثل هذه الأمور في ظل وعيها بوعي الشعب التونسي الذي انعكس في تراجع شعبية الحركة وقادتها بحسب المؤشرات الانتخابية التي تعكس هذا الأمر بوضوح؟، ولكنهم لا يدركون، ففي الانتخابات البرلمانية عام 2011 فازت الحركة بنسبة 42 بالمائة، ثم تراجعت إلى 32% في انتخابات عام 2014، ثم تراجعت مرة ثالثة في انتخابات 2019 لتحقق نسبة 24% فقط أي أنها خسرت نحو نصف مؤيديها في غضون ثماني سنوات فضلا عن خسارة عبدالفتاح مورو النائب السابق لرئيس الحركة، وأحد أبرز قادتها، للانتخابات الرئاسية في جولتها الأولى بحصوله على 4% فقط من أصوات الناخبين!

ألم تكن كل هذه الإخفاقات رسائل من الشعب التونسي تقر برفض الحركة؟ ثم ألم تعترف الحركة نفسها في تصريحات رسمية لقادتها بأن فشلها في انتخابات الرئاسة الماضية وتراجعها الكبير في الانتخابات البرلمانية انطوى على دروس وستحاول إصلاح نفسها من الداخل؟ ثم لماذا لا يعترف الغنوشي بأن استبداده ومحاولته تطبيق نظرية معلمه إردوغان في الاستبداد السياسي بإطاحة الرفقاء وإجبارهم على الانزواء كما فعل مع رفيق دربه عبد الفتاح مورو، الذي استقال من الحركة عقب فشله في الانتخابات الرئاسية، فضلا عن حمادي الجبالي وعبدالحميد الجلاصي وغيرهم كثيرون، وهو نفس سيناريو إردوغان مع أحمد داود أوغلو والرئيس السابق عبدالله غول، اللذين تحولا إلى ألد خصوم السلطان بسبب استبداده ورغبته في الانفراد بالحكم!

ولماذا لم يعترف الغنوشي بأن انشغاله بإدارة الصراعات السياسية وتدبير الفتن ومكائد لخصومه ورفاقه على حد سواء، قد حال بينه وبين الاستغراق في التفكير في إيجاد الحلول للمعضلات التنموية التي تواجه الشعب التونسي حتى بات الاقتصاد التونسي على شفا حفرة شبيهة بالسيناريو اللبناني، وارتفعت معدلات البطالة واستغرق الإخوان والحكومة التي يدعمونها في صراعات السياسة تاركين الشعب فريسة لوباء «كورونا» مكتفين بنداءات مساعدة من الخارج بما لا يليق بتونس العريقة، دولة وشعباً! وأخيرا لما لا يعترف إخوان تونس وغيرهم بأنهم لا يمتلكون أي حلول لمشكلات بلادهم التنموية، بل إنهم لم يفكروا فيها بشكل جدي من الأساس، وكل ما يتحدثون عنه ليس سوى شعارات وأوهام لتسكن خيالهم المريض.

ألم يسأل الغنوشي نفسه: أين كانت الإمارات حين هب الشعب التونسي لانتخاب الرئيس قيس سعيد ونبذ الإخوان وغيرهم وإبعادهم عن رئاسة البلاد؟ ألم تكن هذه هي خيارات التونسيين التي أشاد بها الجميع واعتبروها مؤشرا على ارتفاع الوعي الجمعي التونسي؟ ولماذا يحاول الزج باسم الإمارات هذه المرة رغم أن الشعب التونسي لفظهم غير مرة، حتى طفح الكيل وبات مجرد وجودهم في المشهد السياسي التونسي مرفوض شعبيا حتى وإن كانوا مجرد رقم في طيف سياسي واسع!.

في انتخابات عام 2014، اعترف الغنوشي نفسه بأن الحركة لم تستعد جيدا للانتخابات، وقال نصا في حوار بثه تلفزيون «الزيتونة» الخاص، «إن ما بين 15 و20 % من شباب النهضة وقواعدها لم يصوتوا لمورو»، واستمرت حلقات الفشل الانتخابي ثم السياسي وتكاثرت الانشقاقات والاستقالات واحتدم الصراع الداخلي بسبب رفض رئاسة الغنوشي للحركة، ومع ذلك كله يعود الواهم ليحاول خداع البقية من الأنصار زاعما أن الإمارات هي السبب فيما حدث للحركة! ألم يسمع الغنوشي بمجموعة المائة الرافضة لوجوده رئيسا لإخوان تونس، ولماذا لم يدرك أن استقواءه بالخارج على بلده بل على حركته (للحيلولة دون صعود منافسين له) لن يمر مرور الكرام على شعب تونس الواعي؟.

drsalemalketbi@