محمد الأحمدي

جامعة صغيرة بمدينة نائية تقود البحث العلمي

الثلاثاء - 10 أغسطس 2021

Tue - 10 Aug 2021

شرفت بزيارة مع وفد زائر لجامعة اكستر البريطانية خلال الأيام الماضية تعرفنا على تفاصيل استراتيجية الجامعة. وأجد من المناسب مشاركتكم تلك التجربة للاستفادة منها في تطوير برامج وخدمات الجامعات.

هذه الجامعة نشأت في مجتمع ريفي صغير بجنوب غرب إنجلترا، لا يعرفه سوى قنابل الحزب النازي في الحرب العالمية الثانية بسبب سلطة المدينة الدينية، وقناتها المائية التي استخدمت لعبور الجنود البريطانيين في مواجهة الجيش الألماني على ساحل القناة الإنجليزية.

تحالف مجموعة تخصصات لتكون اللبنة الأولى للجامعة، ولكن خلال 60 سنة أصبحت تلعب دورا محوريا في المعرفة العالمية، وتستقطب الطلبة من الصين إلى المملكة المتحدة حتى وصل طلاب هذه الجامعة الرائدة في البحث العلمي إلى 27,296 طالبا، يمثل طلبة الدراسات العليا حوالي 5,692‬ طالبا.

لفت انتباهي حين قدم لنا في أول اللقاء رؤية الجامعة، حيث اعتمدت في رؤيتها على جملة بسيطة غير معقدة، سعت إلى تحقيقها وهي «طموحنا الدافع هو أن نكون ضمن 100 رائد للبحث العلمي في العالم، وأن نخلق خريجين متميزين، ضمن مجتمع من العقول الأكثر موهبة وإبداعا في العالم، ويجب أن نعمل على تحقيق هذه الرؤية خلال السنوات القادمة».

وبناء عليها وضعت خطة طويلة الأجل تنتهي في 2050 العام الذي يسبق الذكرى المئوية الأولى لها بخمس سنوات لتحقيق تلك الرؤية ثم حولت هذه الرؤية إلى استراتيجيات خمسية سميت بالاستراتيجيات السيادية التي تمثل مجموعة من الاستراتيجيات الرئيسة للخطة التفصيلية في الجوانب التعليمية والبحث العلمي والتأثير المجتمعي، والموارد، والقوة البشرية.

وقامت رؤيتها على 5 أهداف لا أنسى اثنين منها ذكرها مديرها التنفيذي في حفل التخرج لعام 2017 في كلمته للخريجين وهي أن نجعل مدينة اكستر عالمية، ونقدم معرفة نوعية من خلال البحث العلمي. هذه الأهداف التي تبنتها الجامعة أجدها اليوم واقعا ملموسا في حياتي اليومية داخل الحرم الجامعي، وهي بناء القوة البحثية لمواجهة التحديات العالمية، وتقديم تعليم متميز دوليا يمنح طلابنا القدرة على إحداث تغيير في العالم، وإحداث تأثير إقليمي ووطني وعالمي من خلال الدور الذي سنلعبه محليا وإقليميا وعالميا، ودعم وجذب الموظفين المتميزين وتطويرهم والاحتفاظ بهم، وتعزيز مجتمع متنوع موحد بقيمنا، وأخيرا الاستفادة القصوى من مواردنا سواء بإدارتها بشكل صحيح، أو بالاستثمار حتى تكون بنيتنا التحتية جاهزة للجيل القادم، مع ضمان أننا مسؤولون بيئيا.

وتمخض عن هذه الأهداف القيم الست الشهيرة للجامعة التي تتمثلها وخريجوها وشركاؤها في قرارتهم اليومية وهي: الطموح، والتحدي، والتعاون، التأثير، الدقة، الإلهام.

فالطموح يدفعنا للوصول والحفاظ على مركز 100 العالمي؛ وقد تحقق الوصول، ونصل بالتحدي إلى ما لم يكن من الممكن تحقيقه في السابق، ونحقق موازنة بالتعاون مع الطلاب والزملاء والشركاء. وتعمل في عمل تبادلي من الإلهام والدعم مع المجتمع ليكونا بشكل أفضل.

ويأتي التأثير كقيمة رئيسة تتطلبها رؤية الجامعة في إعادة صناعة التفكير وتقديم الحلول ذات التأثير العالمي، فلا غرابة أن تجدها تعمل على السلاحف في المحيط الهندي، وآخر قيمها تمثل في الدقة بحيث تسعى جاهدة للوصول إلى أعلى معايير المنح والخدمات.

اليوم يعتبر 98% من أبحاث جامعة اكستر ذو جودة دولية مما زاد حصتها السوقية من البحوث الرائدة في العالم، ويصنف 22% من أبحاثها كأبحاث مميزة. ومن جانب آخر، حصلت على 9 مراكز من 10 على مستوى بريطانيا في الأبحاث الرائدة عالميا، و4 مراكز من 5 على مستوى العالم. والمركز 16 على صعيد بريطانيا في النشر العلمي العالمي و11 في مجموعة Russell group. وقد حققت هذه الجامعة الصغيرة في المساحة المركز العالمي رقم 100 بشكل مستدام الذي وضعته في رؤيتها.

إنها اعتمدت على 5 تصنيفات مختلفة سواء في الإطار المحلي والإقليمي والعالمي وحتى لتحقق قياس فعالية الأداء العلمي والأكاديمي، أو للبنية البحثية، أو التخطيطية مثل تصنيف التايمز THE، وتصنيف الجامعات النخبة العالمية QS، وتصنيف Leiden Ranking، وتصنيف CWTS، وتصنيف الأكاديمي للجامعات العالمية ARWU. إنها نموذج للجامعات الناشئة التي وصلت بالتأثير العلمي البحثي للعالم.

خلاصة القول في ظل منح الصلاحيات للجامعات في تحمل مسؤولية التخطيط لمستقبلها، واستقلال مواردها، وبناء هويتها وسمعتها، وتمايزها في كفاءة القوة البشرية التي تقدمها للمجتمع، فإن الطموح يجب أن يرتقي للمنافسة العالمية وليس الإقليمية وأن يصنع التأثير في محيط الكوكب الفسيح مع العلم أن قمة التأثير ستعم قطر المجتمع الأقرب ثم الأبعد في العالم.

alahmadim2010@