عبدالحليم البراك

عاجية الكتاب الأكاديمي

الاثنين - 09 أغسطس 2021

Mon - 09 Aug 2021

كان ولا يزال الكتاب الأكاديمي عميقا منهجيا وصارما في شروطه ومواصفاته العلمية، متبعا للقواعد المرعية على المستوى الأكاديمي، لم يتنازل قيد أنملة عن تلك الشروط العلمية، إلا أنه مع ذلك لا يزال مملا غارقا في التفاصيل نمطيا، متخلصا من كل المرونة الممكنة وغير الممكنة الملطفة له، حتى لا تكاد ترى كتابا أكاديميا يتخلص من نمطية التعريف للمصطلحات، ولا من التبويبات التقليدية، ومع هذا كله إلا يتواصى مشرفو الرسائل العلمية بتلك النمطية، مغلقين باب الاجتهاد في تطوير الرسائل والكتاب الأكاديمي، سواء المقدمة لنيل الدرجات والترقيات أو ذلك المعد للطالب في مراحل التعليم الجامعي المختلفة، أو ما يؤلفه عضو هيئة التدريس كنشاط بحثي علمي له، وكأن هذا النمط قدر مكتوب لا يحيد عنه أستاذ جامعي إلا قليل منهم!

وهذه إحدى معاول النقد الموجه للكتاب الأكاديمي، ولا تزال هناك نقاط أخرى سواء على مستوى البحث العلمي، أو الكتاب الأكاديمي، لا يتسع المجال هنا للتعرض لها، لأنها يجب أن تكون – في رأيي – نابعة من نقد من داخل بيئة البحث العلمي والكتاب الجامعي، لأن أفضل تقويم لأي مؤسسة ينبع من النقد الداخلي لها، ما لم ترَ قداسة المنتج وعدم قابليته للنقد، أو أنها تحصر نقدها له في إطار شكلي نمطي، لأن بقاء الأفكار والمؤسسات، ينبع في وجود مدرسة ناقدة لها من داخلها قادرة على تجديدها بعيدا عن تعظيمها قبل سقوطها!

ولقد اطلعت على كتاب الدكتور أحمد اللهيب، «التراث البلاغي في مجلة فصول» وبرغم أن أصله رسالة نيل درجة الدكتوراه، ورغم أن العنوان يدفع للتقليدية والنمطية في الكتابة إلا أن كاتبه كسر جمود الكتاب الأكاديمي، برقة الشعراء مما جعل الكتاب انسيابي القراءة غير ممل، وهذه دعوة إلى هذا اللون من الكتابة الرقيقة في تيار الجفاء الأكاديمي، وبرغم الغطاء الزمني الطويل لمجلة فصول النقدية الأدبية، وبرغم موضوعاتها الفنية غير الإبداعية مما يحتم – أحيانا وليس بالضرورة – صلابة المادة وجديتها المطلقة إلا أن الكتاب في فصوله الثلاثة بدا أكثر ليونة وقابلية للقراءة من غيره.

ربما هذا الكتاب وغيره فرصة كبيرة جدا لإعادة روح الأدب للكتاب الجامعي الجاف، والتنازل كثيرا أو قليلا من قبل مشرفي الرسائل العلمية مع اللغة الأدبية المصاحبة للمحتوى العلمي في الرسائل الجامعية (كما فعل د. أحمد اللهيب) والتنازل أيضا في روح التقييم للكتاب الجامعي في حال كونه أكثر استخداما للمفردات الأدبية التي تطرد جفاف الكتاب الجامعي، ليستفيد منه الطالب الجامعي أكثر ويكون تعلقه به أكثر أيضا، وأن يكون متاحا أيضا للناس وبين أيديهم بسبب أسلوبه المحبب اللطيف الذي يأخذ بعين الاعتبار أكبر شريحة ممكنة من الناس التي ترغب في الاستفادة من المادة العلمية بعيدا عن نمطية وجدية وجفاف الكتاب الجامعي والرسائل الجامعية، ويبقى التساؤل مشروعا هل يمكن أن تكون هناك رسالة جامعية وكتاب جامعي يحافظ على صرامة المادة العلمية مع أسلوب أدبي رفيع يجعله مستساغا في لغته ومفرداته لأكبر شريحة ممكنة من القراء الأكاديميين وغيرهم؟

Halemalbaarrak@