آلاء لبني

لمصلحة من اندثار الصحف

السبت - 07 أغسطس 2021

Sat - 07 Aug 2021

كتبت سابقا عن المؤسسات الصحفية وتلقيت ردودا متباينة، يظهر البون الشاسع بين الآراء في هذا المجال، فالبعض يشير بأصابع الاتهام نحو المؤسسات، وأنها جزء من الماضي ويتهمها بالتقاعس، فهناك من يعتبر دعم المؤسسات تلميعا لها ولا ضرورة من ذلك، وآخر يلحق الحداثة بمفهوم وسائل التواصل الاجتماعي، وآخرون يركزون على التطوير وخلافه.

مع تلاشي طبقة الحياد في الطرح وغياب الجانب الإنساني الاجتماعي بمعاناة أرباب هذه المهنة وتسريح صحفيين محترفين ومحررين ومصورين!

فضلا عن المقارنة غير العادلة والطرح الذي يسوده الهجوم أو يغفل جوانب أخرى، سأذكرها، ربما تغيب عن البعض أو ينتفع بها من أراد.

في البدء يثير حفيظتي الطرح الإعلامي من قبل البعض، واللغة السطحية في تناول الموضوع، ويرافقها أحيانا استهزاء مبطن، لا يليق بمهنة تعتبر الأعرق ببلدنا على مستوى الثقافة! فكما نشر بتاريخ 14 رجب 1441 بجريدة الشرق الأوسط (112 عاما من الصحافة السعودية في موسوعة كتاب العربية) وأشارت الموسوعة إلى أن غالبية الصحف في البدايات صدرت من مكة، ومنها جريدة أم القرى التي ما زالت تصدر حتى الآن كصحيفة رسمية أول عدد كان بتاريخ 1924.

والجدير بالذكر أن نواة وأصل العمل الصحفي في البداية ارتكز على المثقفين رغبة بنشر الثقافة وليس جمع الأموال.

دوما كلما ظهرت وسيلة إعلامية يقال عن الأقدم ستلغى، سابقا الإذاعة واجهت ذات الحديث بظهور التلفزيون وهي لليوم موجودة في العالم.

إحدى مشكلات الصحف السعودية بالماضي والحاضر أنها لم تطل الشكل الحكومي ولا الشركات وفق الأنظمة المنظمة لعملها، فوقعت بين وزارتي الإعلام والتجارة لا إلى تلك ولا إلى الثانية.

حين تنتف ريش العصفور لا تقول لماذا لا يطير؟

وحين دخلت الجهات الحكومية سباقا لتطوير أجهزتها الإعلامية، استعانت معظمها بشركات لتحسين صورتها لدى الجمهور ونشر خدماتها، وبذلت الكثير لتنشر أخبارها على حسابات التواصل الاجتماعي والاتصال التسويقي وتصنع حدثا وحملات بأسعار عالية وتصرف على الترويج وزيادة المتابعين والإعلانات فيها على المنصات المتنوعة.

من الأجهزة الحكومية من لم يقدم شيئا ملموسا حقيقيا بالواقع وبعضها بلا أثر ومنهم من نجح ومن عوامل النجاح تجد خلف الستار صحفيين ومحررين سابقين.

بفريق طعم بكوادر تعرف من الصحافة ما يجعلها قادرة على إدارة دفة الإعلام بالجهة.

هذه المساحة الإعلامية لم تتمكن ولم تحظ المؤسسات الصحفية بالاستفادة منها، فعدم وجود سجل تجاري لا يمكنها من دخول أي منافسة إعلامية حكومية، مع أن الجرائد من الجهات التي تمتلك خبرة في بعض جوانب متطلبات العمل الإعلامي والمحتوى.

ملاحظة تغطية مشهور لغرفة القيادة والتحكم ودفع أموال له مقابل الظهور.

هذا ليس نجاحا! هذا هدر مالي يجب أن يختفي، فحين تدفع 20 ألفا أو غيره لتغطية ما، وتطالب الجهات من الإعلام بتغطية أحداثها بالمجان وإعداد التقارير وخلافه؟! أمر يدعو للمراجعة.

من يتحدث عن الخصخصة والاقتصاد، يجب أن يعي ليس هناك خدمات بالمجان، مثلا في بعض الشركات الكبرى تقدم الإدارات الداخلية الاستشارات لبعضها بمقابل مالي! فلماذا تطالب الصحف بالخدمات المجانية في نشر الأخبار والتقارير.

أميل لعدم إخضاع الصحف بشكل كامل لفكرة التسليع والشراء والجانب الاقتصادي فهو أمر غير مناسب وغير ناجح بالوضع الحالي للإنقاذ، أما التخوف من كيف سيذهب الدعم وآلية صرفه والعائد منه أمر ستجده في أي نوع من الدعم للأنشطة الثقافية والأندية الأدبية ووكالة الأنباء والقنوات التلفزيونية الرسمية ومن في حكمها والدعم السخي للأندية الرياضية، وحوكمته أمر طبيعي وملزم وليس مستحيلا.

القاعدة هي الاستفادة من الدعم لخلق مستقبل قابل للاستدامة.

ولمن يعتقد أن المطالبات بدعم الصحف تقتصر على المملكة، فهو مخطئ مثلا فرنسا تدعم صحفها ماليا، والمغرب حسب ما نشر على سكاي نيوز بتاريخ 27 يونيو 2020 دعمت صحفها الورقية بما فيها الحزبية بـ21 مليون دولار. فالنشاط الصحفي يمثل أحد أهم أوجه حقوق الإنسان والسلطة الرابعة كرقيب كما تعكس تغطية الأحداث الكبرى والأحوال الداخلية للدولة وإنجازاتها وعن أحداثها وحوادثها.

أود التنويه لعدة أمور تثار كثيرا منها:

- حين تقارن يجب أن تدرس على حد سواء أوجه الشبه ولا تتغافل عن الاختلاف وتضع بالحسبان الاختلاف المجتمعي والثقافي والسياسي.

فمثلا بالهند ما زال ينشط الإنتاج الصحفي الورقي بها في حين نيويورك تايمز بأمريكا يدفع مقابل الاشتراك لديها عبر الإنترنت.

- الصحافة الورقية رغم تاريخها الطويل وبمعظم الدول تراجعت نسب التوزيع والنشر والإعلانات، أمام الوسائط الالكترونية، السؤال المهم طرحه هل الصحافة الرقمية مستعدة للتعويض؟ لضعف العائد المادي منها على المدى البعيد وفي ظل العديد من التحديات منها الإعلانات الالكترونية بالمواقع.

- هل تراهن على الاشتراكات الرقمية؟ هل ستدفع؟ المضمون الذي سيحفز على الاشتراك في عالم الحصول على المعلومة بطرق متنوعة مجانا سهل، وفي ظل ضعف الإقبال على القراءة. وانتقال الوعاء المعرفي المكتوب للصور، الرهان القادم لا بد أن يرتكز على المضمون الجذاب وتغيير المحتوى ودعمه وإعادة كتابة القصة والأثر الفعلي للفوائد والمضار أن تقدم للقارئ محتوى يلامس حاجته ومنتجا يسوق نفسه بالمحتوى، وترشد المسؤولين عن مكمن نقص وموضع العلل في أداء بعض الأجهزة الحكومية وتصلح ما قد يغيب ويضاعف من الأداء وتنظر في أسباب الشكوى.

- من أشكال المقارنات غير المنطقية بين العمل الصحفي والانحياز التام لوسائل التواصل الاجتماعي.

لست ضد مواكبة مستجدات الوسائط لكن التغني والانبهار بها خطأ! هي أداة ووسيط، والاتعاظ بما رأيناه، كيف كان ترمب أحد أسباب تواجد السياسيين على تويتر، وكم من وسيلة نجح بها واستفاد منها حتى إخراجه منها، بعد أفول نجمه وإيقاف حسابه، واتهامه المنصة بالتآمر لإسكاته ولضرب شعبيته، لا يهمني ترمب ولا محقين أم لا! لكن العبرة قوة تلك الشركات تدعو للمراجعة.

فضلا عن التعامل مع متغيرات الثقافة التقنية وأبعادها المخيفة وما تمتلكه عنا من بيانات ضخمة تسهم في قراءة تفاصيل توجهاتنا.

يا ترى ما هي الحقائق التي تقتفي آثارنا الرقمية؟ ماذا تكشف عمليات البحث التي يخلفها الناس وراءهم؟ ليس سرا ما سعت إليه وزارة الخارجية الأمريكية بمنتصف 2020 باسم الشبكة النظيفة وإزالة تطبيقات صينية بسبب مخاوف تتعلق بالأمن القومي. ورد الصين أن أمريكا تود حماية موقعها الاحتكاري للتكنولوجيا.

لماذا الصين لا تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي الأمريكية ولديها بدائل خاصة بها؟ ونحتفي بتطبيقها تيك توك للرقص والفكاهة!

لسنا كالصين الديكتاتورية ولكن الانجراف التام وراء دعم وسائل التواصل وتقويض وإضعاف المؤسسات المحلية خطأ كبير وله عواقبه.

الأمر الآخر ما الترند الأكثر تداولا بالعالم العربي وليس بالمملكة فقط؟ المشاجرة والخلاف بين المشاهير، رقص مشهورة وبناتها، فنانة بفستان فاضح، طلاق وزواج وتهديد وقصص شخصية، التصرفات الشاذة والغريبة، هاشتاقات هجومية أو عنصرية أو تعذيب أو تحض على فكر منحل أو انحراف سلوكي وفكري! وماذا بعد وعلى ماذا نراهن وننحاز؟

بطبيعة الحال الاستثناءات للعديد من المنافع موجودة، والحقيقة أن المحتوى والمضمون النافع لا يجد مساحة أو الصدى والصدارة المماثل للمحتوى السخيف، والحمد لله أن هناك الكثيرين يحاولون جاهدين لكن تظل خيوط اللعبة ليست بيدهم. فلا إنجاز حقيقي ولا قضايا جوهرية! كأن العالم العربي لا يلفت نظره إلا....!

كارثة لا ترى أثرها إلا بعد مرور جيل على هذا. وأظن علماء الاجتماع أقرب لقراءة التأثيرات.

سأستعين بوصف أحد إعلاميي الكويت ينعتها بمواقع التوافه الاجتماعية!

فكلما هبط المحتوى إلى القاع وجد صدى أكثر وهذا القاع تحدده نظرة المجتمع وانتماؤه في حيز جغرافي.

زبدة القول تحقيقات وأخبار جيدة ومضمون جذاب وصحافة متخصصة ودعم محررين مهرة والانتماء للمهنة، كيف يكون هذا؟ وهي تعاني من سكرات الموت، الصحف ما زالت تحظى بالموثوقية وهي مستمرة وإن كانت تمشي على عكاز.

وللأسف ربما ستكون الخطوة اللاحقة أن تتحول صحف يومية إلى أسبوعية، وذاك يمثل رضا وفرحا للبعض! أتساءل لماذا يفرح البعض ويصمت آخرون بتقليص حجم انتشارها وأن تتقلد الصحافة دورا أصغر مما ينبغي أن تكون عليه، في ظل تعزيز أدوات ترجع لشركات أجنبية تستحوذ على الحصة الأكبر من العائد المادي وتستطيع ببساطة أن تخلق المساحة التي تريدها وتغلق وتتلاعب بأخرى.

AlaLabani_1@