زيد الفضيل

هل تعرفون رسول الله يا أبنائي؟

السبت - 07 أغسطس 2021

Sat - 07 Aug 2021

خطر في بالي مرة وأنا أدلف إلى شارع باسم (آمنة بنت وهب) بحي المحمدية بمدينة جدة ومعي أولادي أن أسألهم: من آمنة هذه يا أبنائي؟ ظننت أن أحدهم سيبادرني بالإجابة الصحيحة فورا، لكن صدمتي كانت كبيرة حين رأيت الوجوم على محياهم، بل ونظرت إلى صورهم فوجدت أنهم غير مكترثين بجهلهم لاسمها، فمن تكون سوى امرأة في التاريخ لا يأبهون لها كثيرا؟ هكذا كانت خيبتي أكبر، ووجعي ليس له حدود، وأدركت معنى المثل الدارج: بيت النجار مخلع، بل وأيقنت أني مسؤول عما أصابهم من ضياع، ولست وحدي مسؤولا أيضا. والأدهى والأمر أنهم قدموا لي إجابات متنوعة حتى أنهم ذكروا اسم الفنانة أمينة رزق، ولم يلمسوا بمحاولاتهم الجواب الصحيح للأسف.

إنها آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب والدة سيدنا وحبيبنا رسول الله محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب وهو الجد الجامع لهما، تلك المرأة الطاهرة التي اختارها المولى جل وعلا لتحمل في أحشائها نطفة خير البشر وأفضل الخلق، فهل يمكن أن يجهلها أحد، غير أن ذلك قد صار واقعا.

على أن السؤال الأهم الذي تبادر إلى ذهني هو: هل يعرف أولادي رسول الله حقا؟ بمعنى هل يعرف أبنائي وجيلهم بعض تفاصيل سيرة رسول الله من حيث ولادته ونشأته وحياته، سمته وسلوكه وأفعاله، أقواله وحكاياته، حركاته وسكناته، هل فعلا تعرف الأجيال المعاصرة شيئا من ذلك؟

تذكرت حالي صغيرا وكيف ارتبطت بسيرة المصطفى، وأدركت أن جانبا كبيرا من معرفتي لجوانب سيرته الشريفة قد تكونت بفضل حضوري مع أبي في مجالس الذكر التي كنا نحضرها سواء في الطائف في عدد من البيوت التي اشتهرت بإقامة هذه المجالس، أو في مكة المكرمة ولا سيما في حضرة السيد محمد علوي مالكي -يرحمه الله- ذلك العالم الرباني الذي بادر إلى حضور مجلس عزائه ولاة أمر هذه البلاد المباركة وعلى رأسهم الملك عبدالله والأمير سلطان والأمير نايف والأمير عبدالمجيد -يرحمهم الله- جميعا علاوة على غيرهم من أصحاب السمو والمعالي المعاصرين، وكذلك في طيبة الطيبة على ساكنها أفضل الصلوات والتسليم ولا سيما في مجلس المشايخ الفضلاء عبدالوهاب فقيه وعبدالعزيز مكوار وعادل عزام -يرحمهم الله- جميعا وغيرهم. وأذكر أن صدري كان ينشرح بسماع ذلك الإنشاد الرخيم، الذي عادة ما يتبعه قراءة السيرة المباركة، ويُختم بكلمة شارحة لبعض فضائل وصفات وأخلاق رسول الله ومن يمت إليه بصلة من آبائه وآل بيته وصحابته المنتجبين.حقا كم كانت تلك المجالس مثرية وشارحة للصدر، وكم افتقدت وجيلي وجودها بفعل جهل المتشددين الذين عملوا على منعها ومحاربتها كما منعوا وحاربوا كل جميل في تراثنا المجتمعي بحجة دينية ساقطة من حيث المنطق والاستدلال، وبفهم ناقص وإدراك مخل لمعنى وروح فقه المقاصد كما يقول الفقهاء الربانيون، وكانت النتيجة أن أصبحنا في حالة مريبة من التشكك والتذبذب، فما كان محرما قولا واحدا بأمرهم كالتصوير مثلا، بات حلالا بقولهم أيضا، وما كنا ندركه ونعرفه حول سيرة نبينا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- أصبح أولادنا يجهلونه تماما، ولا سيما في ظل حالة الانفتاح الفضائي الكبير القائم على الترفيه وحسب.

في هذا السياق أشير إلى كتاب طريف في مضمونه ومعناه أهداني إياه الشيخ العالم عون القدومي بعنوان «قصص عالم الحيوان مع سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم» وفيه ذكر لمختلف الحيوانات التي ارتبطت برسول الله إما بقرينة تاريخية كالفيل الذي تقدم به أبرهة الحبشي حال عزمه هدم الكعبة المشرفة، أو بصورة مباشرة في حياته كالشاة التي حلبها، وبغلته (دُلدل)، وناقته (القصواء) وغير ذلك من الحيوانات التي تم ذكرها وذكر قصصها مع رسول الله بالسند الحديثي.

على أني ومع إعجابي بمضمون الكتاب وسرده الحكائي الذي بات صالحا للكبار قبل الصغار، إلا أني اندهشت من خلو الكتاب من ذكر (الكلب) كحيوان تميز بصداقته ووفائه للإنسان، كما يمكن أن يكون من الحيوانات الفريدة التي شرفها الله بالذكر في كتابه المحكم على صفة الإيمان بحكم مجاورته لمؤمني الكهف، والسؤال الذي يتبادر إلى ذهني هو: هل مرد هذا الإغفال راجع إلى النجاسة الفقهية بحسب قول بعض الفقهاء، وبالتالي فليس حريا به أن يكون قرين أطهر الخلق؟ أم لسبب آخر؟ مع الإقرار بأن عديدا من الفقهاء والمذاهب قد نصوا على طهارة الكلب شَعَرا وريقا، وبعضهم نص على طهارته شعرا ونجاسته ريقا، وآخرين قالوا بنجاسته شعرا وريقا. فبأي الأقوال نأخذ؟ وكيف يجعل الله الكلب مؤمنا ورفيقا لمؤمني الكهف إن كان نجسا بالمطلق؟ ثم كيف لا نجد له ذكرا مع خاتم الرسل وأفضل المؤمنين؟ استفهام يستحق التأمل والنظر وأضعه برسم الفقيه المعاصر، فهل من جواب فقهي شاف؟

zash113@