أحمد بني قيس

“وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا”

الخميس - 05 أغسطس 2021

Thu - 05 Aug 2021

منذ بدء الخليقة أرسى رب العزة والجلال سنة الاختلاف في هذه الدنيا وجعلها تتمثل في كل أمر من أمور الحياة المادية منها وغير المادية، وتنطبق هذه السنة الربانية حتى على البشر وتتجلى صحة ذلك لدينا نحن المسلمين في قوله سبحانه: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأُنثىٰ وجعلناكم شعوبا وقبائِل لتعارفوا إن أكرمكم عند اللّه أتقاكم *إِن اللّه عليم خبير» وهذه الآية الكريمة أهم ما يميزها أن الله تعالى يخبرنا فيها بنص واضح وصريح أن السبب وراء خلقه لنا شعوبا وقبائل مختلفة هو حتى نتعرف على بعضنا البعض، ونتقبل بعضنا البعض، وأن نتعامل فيما بيننا؛ تعاملا يقربنا من بعضنا البعض لا تعامل يفرقنا عن بعضنا البعض إلا أن هذه الغاية الربانية التي أراد لها ربنا سبحانه وتعالى أن تكون نبراس كل فرد منا كبشر يتم تجاهلها للأسف من قبل الكثير من أصحاب الثقافات والأعراق والأديان المختلفة تجاهل تام سواء كان ذلك بقصد منهم أو بدون قصد مما تسبب في الكثير من النزاعات والخلافات بينهم وأصبح بغضهم لبعضهم البعض في المجمل هو المألوف والسائد.

وبما أن السياق الوارد والاستشهاد الديني السابق يدور داخل النظرة الإسلامية للآخر المختلف في الدين والعرق واللون فسينحصر بناء على ذلك التناول التالي على الدين الإسلامي كدين نستمد من تعليماته وتوجيهاته نحن المسلمين كيفية تفاعلنا وتعاملنا الأسمى في هذه الحياة مع المختلف عنا كما أمرنا ووجهنا الباري عز وجل.

إن الواقع الإسلامي المعاصر يشهد إجمالا بوجود أفكار متشنجة نحو الآخر المختلف عنا في الدين لدى طائفة من المسلمين وآراء ذات طبيعة إقصائية تتبناها هذه الطائفة تجعل من التعارف وتقبل المختلف في الدين أمرا مرفوضا لديها بل يرى فيه بعضهم إن لم يكن جلهم نقصا في تدين أي شخص يدعو لهذا التعارف ويرحب به وتشكيك في مدى ولائه للدين والتزامه بتطبيق تعليماته في منافاة جذرية لكل ما نعرفه من تعليمات دينية تحث وتشجع على حسن التعامل مع الآخر بحكم أن من شأنها جلب منافع جمة تحسن وتسوق سمعة الإسلام والمسلمين تسويقا إيجابيا يسهم في التخفيف من حدة الهجوم الشرس الذي تتعرض له في هذا العصر والذي تسببت فيه جرائم إرهابية ارتكبها بعض المسلمين ممن يتبنون خطابا معاديا للآخر يصل إلى حد استحلال قتله وسفك دمه في مفارقة غريبة جدا ومخالفة تماما لتوجيهات ديننا الإسلامي التي ترشدنا لكيفية التعامل مع الآخر الذي تربطنا به علاقة سلمية والتعاطي معه والمتمثلة في قوله سبحانه: «ٱدع إِلىٰ سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة *وجٰدلهم بٱلتى هى أحسن» وكذلك قوله سبحانه: «ولا تستوى ٱلحسنة ولا ٱلسيئة * ٱدفع بٱلتى هى أحسن فإذا الذى بينك وبينه* عدٰاوة كأنه * ولي حميم» ومن دلائل نفع هذا النهج الرباني في التعامل مع الآخر ما يقوله لنا تاريخنا الإسلامي عن حقيقة أن التمسك بهكذا نهج كان له دور كبير في نشر الإسلام في شتى بقاع الأرض ودور كبير أيضا في إقبال الناس على الدخول فيه إلا أن تبني الفكر الضال المشار إليه آنفا المخالف لأبسط تعاليم الإسلام المتعلقة بكيفية التعامل حتى مع الكافر الذي يرفض اعتناق الإسلام والتي نجدها حاضرة في قول الله سبحانه: «قل يا أيها الكافرون (*) لا أعبد ما تعبدون (*) ولا أنتم عابدون ما أعبد (*) ولا أنا عابد ما عبدتم (*) ولا أنتم عابدون ما أعبد (*) لكم دينكم ولِي دِين»؛ كانت نتيجته الطبيعية تشويه الإسلام والهجوم عليه من قِبل الطرف المقابل بل وحتى معاداته والخوف منه ومن معتنقيه وأكبر دليل على ذلك انتشار ظاهرة  «الإسلاموفوبيا» بين تلك المجتمعات التي تعرض أفرادها لممارسات بشعة من قبل تلك الطائفة.

إن ما يجب أن يعلمه المسلمون تحديدا بحكم أن دينهم دين يدعو للمودة وسيادة الألفة والتعايش السلمي بين كل البشر يحملهم وزر تشويهه وإظهار صورة مغايرة لما يقوم عليه من أسس ومبادئ وقيم تحبب الناس فيه وتشجعهم على الاقتناع به والنظرة له نظرة إيجابية تخلق له القبول في صدورهم وبالتالي تسهم في اعتناق الكثير منهم له وهذه الغاية السامية التي يفترض بها أن تكون رسالة كل مسلم؛ يتطلب تحقيقها محاربة كل من يشوه هذا الدين ويظهره كدين لا يهتم إلا بسفك الدماء والاعتداء على الآخر المختلف عنه دينيا كما أظهرت ممارسات تلك الشريحة المنحرفة التي تطرقت لها أعلاه والتي تسببت في حدوث ظلم كبير للإسلام وكل معتنقيه ولم تقدم له تلك الممارسات أي خدمة يمكن لمرتكبيها الإشارة إليها وإقامة الحجة عليها.

ahmed_baniqais@