محمد النفاعي

أمثال شعبية أم مبادئ إدارية؟!

الأربعاء - 04 أغسطس 2021

Wed - 04 Aug 2021

أحد أهم الخصوصيات التي تميز الشعوب وتبرز تنوع ثقافاتها المتنوعة منذ القدم هي الأمثال الشعبية؛ فالأمثال عادة تعبر عن فكرة عميقة المغزى للتعبير عن حالة أو سلوك معين تشترك البشرية في مدلولاتها، وسبب إطلاقها وتركيبتها اللغوية السهلة المحببة للنفس.

من المفارقات الجميلة في الأمثال الشعبية أننا نجد المثل نفسه قد يتكرر بين الشعوب، ولكن يختلف نصه وأسلوبه حسب اللهجات الدارجة بين الشعوب؛ ولذلك سميت أمثال شعبية. وقد ذكر ضرب الأمثال في القرآن لأهميته في حياتنا من خلال التذكر والتفكر. قال تعالى (تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون)، وقال تعالى (وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون).

يسمع عموم الأشخاص الأمثال الشعبية من أجدادهم وآبائهم في صغرهم وربما حفظوها ونقلوها للآخرين في سياق التعليق على حالة أو سلوك معين إما يحدث لهم شخصيا أو لمن حولهم. هذا الاستشهاد يستخدم لتوضيح أو شرح الموقف بشكل مبسط محبب للنفس ومن ثم لتوجيه كيفية التصرف مستقبلا أو تصحيح سلوك تربوي أو اجتماعي في أبسط أسلوب.

أطرح هنا مفهوم استخراج واستدلال «مبادئ إدارية أساسية مصدرها الأمثال الشعبية». شخصيا لم أجد الكثير من الأطروحات عن إدراج الأمثال الشعبية في علوم الإدارة والتنمية البشرية للمساهمة في إيصال أفكار ونظريات إدارية للأجيال الجديدة مصدرها موروثنا من الأمثال الشعبية. فالأمثال الشعبية هي مختصر لتجارب إنسانية تختصر مبادئ إدارية يجب الاستفادة منها أثناء المناسبات والأوضاع الإدارية كاجتماعات العصف الذهني، أو مراجعة المشاريع الدورية، أو التقييم الدوري، أو التدريب أو التوجيه.

المثل كما جاء في قاموس المعاني هو «القول السائر وهو كلام في جملة أو جملتين يمثل عبرة مستخلصة من واقعة معينة يردد في أخرى مشابهة لها». نلاحظ في هذا التعريف تشابها بين الحالة الأصلية التي قيل فيها المثل والحادثة المشابهة لها. هنا أتذكر موقفا حدث لي شخصيا في بيئة العمل استنبطت وتعلمت منه دروسا ومبادئ إدارية بعد أن تذكرت مثلا شعبيا يتداول كثيرا بين العامة. القصة حدثت لي مع مديري عندما قدمت له استراتيجية متكاملة مدتها ثلاث سنوات لمشروع تقني لإحلال تقنية قديمة، ستفنى خلال 4-5 سنوات، بأخرى حديثة لضمان استمرار الأعمال وتقليل ما يعرف بالتكلفة الإجمالية للملكية.

هذه الاستراتيجية كانت مبادرة استباقية لن تكلف المؤسسة الكثير من المال والجهد والوقت. ولكن للأسف كان رده مخيبا للآمال، حيث قال لي ما معناه عندما يحين الوقت سنتعامل مع الأمر في حينه. وفعلا عندما حان الوقت كلف الأمر الكثير من الموارد البشرية والاقتصادية للتعامل مع الأمر.

هذا المدير ذكرني بالرجل الأول الذي جاء ذكره في المثل الشعبي الذي وثق المحادثة التي وقعت بين فتاتين كل واحدة تفاخر بأبيها. حيث يقول المثل (تقول الأولى ‏»أنا أبوي اللّي يشق ويرقع» فترد عليها الأخرى «أنا أبوي اللّي ياقاها قبل لا تقع»).

ما يهمنا هو الصفات الإدارية والمهارات القيادية التي يتميز بها كل من الرجلين اللذين ورد ذكرهما في المثل، فالرجل الأول تفخر ابنته بأنه لديه القدرة على التعامل مع ما يرتكبه من أخطاء عند حدوثها، أما الآخر فهو يخطط الأمور ويدرسها قبل أن تقع الأخطاء.

فالأول يتبنى السياسيات الإدارية التي تعرف بسياسة «ردة الفعل» ومكافحة الحرائق. أما الرجل الثاني فهو يتبنى سياسة التفكير

الاستراتيجي ودرء المخاطر. فلو خيرت عزيزي القارئ أي قيادي ستختار للعمل تحت إدارته الأول أم الثاني؟ أم ستختار من قيل فيه المثل الشعبي «عنز ولو طارت»!!

ختاما، الأمثال يبقى أثرها مدة طويلة وتتوارد من جيل إلى جيل، ولا ننكر ما للأمثال من أثر كبير علينا. وأكاد أجزم أن كل شخص قد مرت عليه قصة ضُرِب مثلٌ عليها وكانت سببا لحدوث شيء إيجابي له في حياته.

@msnabq