محمد الأحمدي

الدبلوماسية الثقافية للطلبة السعوديين تحتضر

الثلاثاء - 03 أغسطس 2021

Tue - 03 Aug 2021

منذ أن أفاء الله على المملكة بنعمة الاستقرار السياسي على يد الملك عبدالعزيز (رحمه الله) ورؤيته في ابتعاث أبناء الوطن النابغين لدراسة العلوم التي لا تتوفر بالمملكة مستمرة؛ حيث بدأت أولى رحلات الابتعاث بـ 14 طالبا في 1348هـ، واليوم أصبح عدد المبتعثين يقترب من 93 ألف بمختلف دول العالم، يدرس نحو 65 ألف مبتعث منهم في أميركا والمملكة المتحدة مشكلين نسبة تزيد على 70% من إجمالي المبتعثين السعوديين في الخارج. هذا دون اعتبار مرافقيهم أو المواطنين بالدولتين التي يتجاوز أعداد السعوديين في بريطانيا وحدها 35 ألف مواطن. والولايات المتحدة الأمريكية وحدها تحظى بأكثر من 200 ناد سعودي، وقرابة 38 في المملكة المتحدة وأكثر من 50 جمعية للطلبة السعوديين في الجامعات البريطانية.

إن مجمل هذه الأرقام يشكل قوة دبلوماسية ثقافية ناعمة تمتلكها المملكة في مبتعثيها لترسيخ التقارب الثقافي، والاجتماعي، والسياسي، والاقتصادي بين تلك المجتمعات بطريقة تأخذ طابع التبادل الأكاديمي والمهني من خلال الندوات والمؤتمرات والمحاضرات والمعارض، والفنون بشتى أنواعها التي يقيمها المبتعثون في مؤسسات ابتعاثهم.

وحري بوزارة التعليم ممثلة في ملحقياتها أن تستثمر هذه القوة الناعمة في نقل الصورة المجتمعية الصحيحة للمملكة في مجتمع الابتعاث من خلال استمرارية الدعم بكافة أنواعه للطلبة المبتعثين في مؤسسات ابتعاثهم، فضلا أن من خلالهم تجد الملحقية الثقافية لنفسها موطئ قدم في المؤسسات الأكاديمية.

لكن في الحقيقة يحتاج هذا المجتمع الطلابي لدعم واسع، وتوجيه مستمر، وتغيير استراتيجية الأندية الطلابية في المملكة المتحدة على وجه الخصوص لاختلاف سياقها عن السياق الأمريكي. فالأندية الطلابية التي تتشكل تحت مظلة الملحقية الثقافية بلندن تعتبر كيانات مستقلة معزولة عن المجتمع البريطاني المدني والأكاديمي، حيث لا تتوفر لها مقرات مدنية، أو موطئ قدم داخل الجامعات البريطانية بوجود كيان سعودي آخر ينافسها تحت مسمى الجمعيات العلمية السعودية التابعة لاتحادات الطلبة الجامعيين.

ورغم هذا بذلت المملكة طيلة العقود الماضية الدعم المالي للأندية الطلابية للحفاظ على هويتهم، وتخفيف وطأة الغربة عليهم ليكونوا وحدة واحدة في تلك الدول، مما أسهم في تحقيق اللحمة المجتمعية بين الطلبة السعوديين مقارنة بغيرهم من الطلبة في مجتمعات الابتعاث.

وفي ظل هذا التشتت للدبلوماسية الثقافية للطلبة المبتعثين بين الأندية الطلابية والجمعيات العلمية قل الأثر لتلك الأرقام من المبتعثين، وانحصر الأمر فيهم، ولكن إن اتحدت القوة الثقافية الناعمة للمبتعثين والمواطنين في بلدان الابتعاث مع ممثليات المملكة فإن السياسة الناعمة ستأتي أكلها عبر الزمن.

ويأتي هذا العام لتنطلق الدورة الجديدة للأندية الطلابية السعودية في المملكة المتحدة مجردة من الدعم المالي الذي سيسهم فقدانه على المدى القصير في تفكك الوحدة بين مجتمع الطلبة، وذوبان الدبلوماسية الثقافية لهم في ذلك المجتمع رغم قلتها في السياق البريطاني، وعزل الملحقية الثقافية في عمل روتيني يقدم عن بعد.

وأعتقد أن من الأصلح لمستقبل الطلبة المبتعثين وأسرهم ووطنهم أن يعاد توجيه الدعم المالي للأندية الطلابية مع تنظيم آلية تجمعها بالجمعيات العلمية السعودية في الجامعات البريطانية لتنتقل الأندية الطلابية من التقوقع على نفسها في تقدم الخدمات للطلبة السعوديين إلى مجتمع الأكاديمي.

وهذا يستدعي توحيد مظلة الأندية الطلابية والجمعيات العلمية السعودية بالجامعات البريطانية وتوجيه الدعم للكيان الموحد بما يخدم الطرفين، ويحقق الوحدة لمجتمع الطلبة المبتعثين، ونقل رسالة الدبلوماسية الثقافية في مجتمع الطلبة الجامعيين متعددي الجنسيات من خلال إقامة المناشط المتعددة في الجامعة.

وعلى الرغم من تعدد سبل تمثيل الدبلوماسية الثقافية، وتحقيق التأثير البعيد المدى في المجتمعات التي تستهدفها إلا أن التعليم يبقى الحقل المناسب للقوة الناعمة لما لتأثير المبتعثين أو الباحثين من ديمومة في الأثر بطول مدة التعايش في تلك المجتمعات، أو بالمعرفة النوعية التي يقدمونها لمجتمع الابتعاث.

وأختم بمثال يوضح صورة واحدة في كيف تلعب الدبلوماسية الثقافية الصينية الناعمة في الجامعات البريطانية دورا فاعلا في نقل حضارتها، وثقافة مجتمعها، والحفاظ على هوية أبنائها، وهي نقل الاحتفالات السنوية برأس السنة الصينية في الجامعات البريطانية. أليس دبلوماسية المملكة الثقافية التي تأتي كرابع دولة في الابتعاث بعد الصين والهند وكوريا الجنوبية تستحق الحضور العالمي بين مجتمعات الطلبة المبتعثين؟!

@alahmadim2010