أحمد محمد الألمعي

هل «التطرف والإرهاب» مرض نفسي؟

السبت - 31 يوليو 2021

Sat - 31 Jul 2021

تذكرني هذه الأيام ما تمر به منطقتنا من ظروف صعبة، وأحمد الله على ما ننعم به من استقرار أمني وسياسي واقتصادي في المملكة في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين.

ولقد نشأت مثل الكثيرين ممن حولي في المملكة والمنطقة العربية نشأة دينية معتدلة، تركت بفضل الله الأثر العميق في تكويني الثقافي والنفسي وفي كثير من قراراتي الحالية والمستقبلية.

وهذه النشأة الدينية لها أثر كبير في ‏حياة كثير من أفراد مجتمعاتنا العربية المسلمة ‏وفي الثقافة السائدة، فاللجوء إلى الله ‏والإيمان بالقضاء والقدر وممارسة العبادات ‏هي جزء كبير من ‏ممارساتنا اليومية والحياتية كأفراد من هذا المجتمع والبيئة المحيطة بنا. ‏ومرت المملكة والمنطقة ‏وخاصة على مدى الأربعين عاما الماضية بكثير من الظروف والعواصف السياسية والاقتصادية والأمنية الإقليمية التي كان لها أثر كبير في الفكر الديني والسلوك الاجتماعي والثقافي، أدى إلى ظهور مجموعات بأفكار متطرفة دينيا وثقافيا اتخذت العنف والإرهاب كوسيلة لفرض آرائها ‏ومعتقداتها على من حولها، ‏وابتعدت عن النهج المعتدل الوسطي لديننا الحنيف بكافة مذاهبه، وللأسف لم تكن لغة الحوار الثقافي المتحضر جزءا من أسلوب هذا الفكر المتطرف.

ونرى في كثير من المجتمعات الشرقية وحتى الغربية المتحضرة التأثير النفسي السلبي نتيجة للاستقطاب السياسي والديني الذي يظهر في هذه المجتمعات، نتيجة اتباع نهج متطرف قد يظهر في قالب ديني عنصري أو عرقي قبلي أو غير ذلك من الاتجاهات، بهدف إثارة البلبلة التي تدمر المجتمعات والحضارات، فما الذي يجذب البعض لهذا الفكر المتطرف؟

هو سؤال يتردد بين الفينة والأخرى خصوصا في المملكة، فالكثير منا يستغرب ما الذي يجذب بعض الشباب إلى هذا الفكر المنحرف برغم ما نراه من نتائج مدمرة لهذا الفكر في من حولنا من الدول، فنحن ننعم بفضل الله ثم بفضل قرارات قيادتنا الرشيدة بالاستقرار والأمن الذي نحسد عليه.

ما الذي يدفع الشباب والشابات من مجتمعات مستقرة متحضرة وأوضاع اقتصادية جيدة من أسر متعلمة ومعتدلة في بعض الأحيان لاعتناق الفكر العنصري والمتطرف؟

والجواب أن هناك عدة عوامل بعضها يتعلق بالنشأة والقيم التي تغرسها الأسر والمجتمعات في الجيل الناشئ والتي تميل إلى أسلوب ديني وقبلي ومجتمعي معين تعتقد أنه آمن، فأي تغيير في هذا الفكر ينظر له بأنه تهديد وخطر ديني وثقافي.

ويتجاهل بعض أولياء الأمور بقصد أو بغير قصد بعض السلوكيات التي تؤدي للتطرف؛ لأن الهدف من هذه التنشئة هو استمرار هذا الفكر الثقافي الديني المتوارث في الأجيال القادمة، متناسين أن هناك الكثير من المؤثرات من حولنا، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام والإنترنت، التي فرضتها هذه الثورة في التكنولوجيا الحديثة وسهلت نشر ثقافات دخيلة في فكر هذا الجيل، الذين نشؤوا بعقيدة اللجوء إلى ما يعتقدون أنه آمن دينيا وثقافيا ويخشون الخروج على إجماع من حولهم؛ لأن ذلك يعني فقدان الدعم المعنوي والمجتمعي الذي يكون قاسيا، وتكون النتيجة العيش كمنبوذين في مجتمعاتهم أو خارجها، ومن ثم اللجوء إلى مجتمعات بديلة تتبناهم كما رأينا في كثير من حالات ممن يسمون بالناشطين المعارضين والذين فقدوا الكثير من أسباب تمردهم على مجتمعاتهم بسبب الإصلاحات التي تمت في سبيل دعم حقوق المرأة السعودية.

ولقد رأينا كيف أدت العنصرية العرقية إلى ‏تدمير يوغسلافيا ‏وهي لا تختلف عن العنصرية القبلية، ورأينا كيف أدت العنصرية المذهبية إلى تدمير كثير من الدول من حولنا وهناك أمثلة كثيرة من التاريخ، فليس هناك جدل في التأثير المدمر ‏للتطرف بكافة أشكاله.

ويمر الكثير من أبناء هذا الجيل الناشئ بكثير من الضغوط النفسية بأشكال متعددة لها تأثير كبير، خاصة في غياب الاستعداد النفسي والثقافي والتهيئة الصحيحة لمواجهة هذه المؤثرات. فهناك القادة السياسيون والدينيون الذين ينشرون سموم الفكر المتطرف الذي يداعب أوتارا معينة في تكوين الشباب الديني والثقافي باستخدام الخوف على الدين والثقافة كمؤثر، ويستخدمون شعارات عاطفية لمواجهة تهديدات عرقية وثقافية ودينية بهدف اجتذابهم لهذا الفكر المتطرف، ويندرج ذلك ضمن استراتيجية تسيير القطيع النفسية (Hurd mentality).

كما أن هناك ظروفا اقتصادية مؤثرة، ومن المعروف أن الظروف الاقتصادية الصعبة هي بيئة خصبة للشائعات والفكر المتطرف، وقد رأينا كمية الشائعات والخرافات التي انتشرت منذ بداية جائحة كورونا وأدت إلى رفض شرائح من المجتمع لقاح كورونا. وقد يظهر التطرف بشكل ردات فعل معاكسة، فقد رأينا السلوكيات الشاذة والخادشة للحياء من بعض أفراد جيل الشباب الثائرين ضد كل الثوابت الدينية والثقافية، والتي قد تكون بسبب المؤثرات الخارجية أو مبالغة بعض الأسر في فرض القيود الاجتماعية والأسلوب القسري في التربية.

وفي النهاية، ليس لدينا خيار غير إبقاء جسور التواصل بين الجيل القديم والجيل الناشئ، واستمرار الحوار والتغاضي عن بعض السلوكيات البسيطة التي قد تكون غير مقبولة والمرونة في التعامل؛ لأن البديل هو القطيعة ولجوء الجيل الجديد إلى أفكار أكثر غرابة وتطرفا، والنتيجة كارثية بجميع المقاييس.

@lmaiahmai2