بندر الزهراني

جوائز «بلاكبورد» وأحلام العصافير!

السبت - 31 يوليو 2021

Sat - 31 Jul 2021

لولا أن وسائل الإعلام تناقلت بشيء من المبالغة خبر حصول بعض الجامعات المحلية على جائزة «بلاكبورد» التحفيزية ما كتبت هذا المقال، ولا توقفت هنيهة عند خبر الفوز بها، والسبب في ذلك أن الإعلام سواء المرئي أو المقروء كان ينبغي عليه فيما يتناوله ويطرحه من موضوعات أن يستدعي فيها الطموح الرسمي والشعبي، بعد أن يتحقق من صحتها وجدارتها، وهذا بما يفترضه لنفسه من رمزية وطنية ومصداقية راسخة في أذهان المتابعين، والسبب الآخر أن بعض جامعاتنا المتوجة بالجائزة هي من الناحية التأريخية والقيمة العلمية والمعنوية -خاصة تلك التي تهتم بالدراسات والبحوث الإسلامية ودراسات اللغة العربية- أكبر من جائزة «بلاكبورد» ألف مرة ومرة، بل هي أكبر من شركة «بلاكبورد» نفسها، أو على الأقل هذا ظني في جامعاتنا.

قد يقول قائل إننا نبالغ في النقد أو إننا -لا سمح الله- نقلل من قيمة النجاح ومعنوية الإنجاز، ولذلك لا بد أن نوضح للناس ما نؤمن به من معايير، وما نراه صوابا ونعتقده طريقا صحيحا نحو النجاح والتميز الحقيقي، ولكي نصل إلى هذا الهدف دعونا أولا نتعرف على جائزة «بلاكبورد» التحفيزية، ما هي الجائزة؟ ولمن تمنح؟ وما مدى قوة واحتدام التنافس عليها؟ ومن ثم نعلق على المبالغات في احتفال الجامعات المحلية بالفوز بها واعتبارها من الإنجازات غير المسبوقة على مستوى العالم!

جائزة «بلاكبورد» أو بالإنجليزية (blackboard catalyst award) ما هي إلا جائزة معنوية تحفيزية أنشئت عام 2005م لتكريم الإبداع والتميز بين مستخدمي منتجات الشركة، أي أنها جائزة داخلية وخاصة، وهي نوع من الدعاية والترويج للشركة، لا أكثر، فهي في الواقع ليست جائزة عامة هدفها الاعتراف بقيمة العلوم والمعرفة والتكنولوجيا، بقدر ما هي وسيلة للإشادة بنجاحات عملائها ورفع الوعي بينهم في استخدام ما يمكن تسويقه من منتجاتها البرمجية وخدماتها فيما بعد البيع، ولذلك فإنه لا يمكن لغير عملائها المرخصين الترشح للجوائز المعلن عنها، كما هو منشور على موقع الشركة!

إذن الجائزة ليست جائزة تنافسية كما قد يظن البعض، ولا أتوقع أن الحائز عليها ينال مبلغا ماليا، أو حتى تخفيضا عند الشراء من منتجات الشركة! فما يناله الفائز بالجائزة هو مسماها فقط أو ربما التشجيع على مضاعفة الشراء والتحفيز على استخدام منتجات الشركة بشكل أمثل، حتى المؤتمرات التي تقام على هامشها الجائزة لا تتحمل الشركة تكاليف إقامة وتنقل المشاركين فيها، بل من حق الشركة استخدام كلماتهم وصورهم لأغراض تسويقية وترويجية، فالعمل هنا عمل صرف أو كما يقول الأمريكان (business is business) بمعنى أنه لا مكان للعواطف والمجاملات الخاصة، فهم ليسوا كما نحن، نغرق في العواطف والمجاملات حد التراق!

الجائزة باختصار شديد هي أسلوب احترافي في الدعاية والإعلان، وتطوير المنتجات، وهي أسلوب ذكي، وطريقة عبقرية تنتهجها شركة «بلاكبورد» مع عملائها، وهذا بالطبع لا يعيب الشركة أو يقلل من عملها الاحترافي، إطلاقا، بل على العكس، يزيد من انتشارها واتساع رقعة عملها واستمرارها في ذات المجال بقوة وإتقان.

شركة «بلاكبورد» مثلها مثل أي شركة أخرى تسعى لتسويق منتجاتها لأكبر شريحة ممكنة من المستخدمين، ولا يمكنها أن تخلق مجموعة كبيرة منهم بمجرد البيع فقط، بل لا بد من خلق بيئة من المستخدمين المهتمين بالتعليم التقني، ثم بعد ذلك تسعى إلى تطويرهم وتحفيزيهم على الاستخدام والممارسة الصحيحة، ومن ثم تشجيعهم على شراء المنتجات الجديدة أو متابعة التحديثات بشكل مستمر، وهذه أبجدية من أبجديات التسويق يتعلمها طلاب الجامعات في السنة الأولى!.

ثلاث جامعات سعودية حققت هذا العام جائزة «بلاكبورد» في فروعها المختلفة، وفي الأعوام السابقة حققتها جامعات سعودية أخرى، يبدو أن جامعاتنا -والله أعلم- تتسابق فيما بينها في حلبة عالمية على جوائز تشجيعية بسيطة! تضمنها لهم الاشتراكات السخية المدفوعة كل عام، فأي إنجاز عظيم هذا الذي يتناوله الإعلام! وأي مجد يتباهى به رؤساء هذه الجامعات ويتبادلون عليه التهاني والتبريكات!

عذرا، فأنا لا أقلل من حاجة الإبداع في التعليم الالكتروني أو المستوى الذي بلغته شركة «بلاكبورد» وانتفعت به جامعاتنا، ولا أقلل من جائزتها التحفيزية، ولا أستسصغر بأي شكل من الأشكال عمل جامعاتنا طالما اعتبر إنجازا، بل أدعو كل الجامعات المحلية وشركات أودية التقنية فيها إلى محاكاة ما تقوم بها هذه الشركة وغيرها من الشركات الرائدة في تقنيات التعليم، وكذلك لا أستكثر على جامعاتنا أفراحها وتهانيها بمثل هذه الجوائز الشكلية مهما كانت دوافع إداراتها، ولكنني أتساءل بصدق ومرارة: أحلامنا متى تزن الجبال رزانة ونتجاوز أحلام العصافير!

drbmaz@