حق حرية التعبير في المملكة
الأربعاء - 28 يوليو 2021
Wed - 28 Jul 2021
تعد حرية التعبير من أكثر الأمور التي يتلاعب في ميدانها المنفلتين من قيود الأنظمة في كل دول العالم.
فحرية التعبير هي إحدى حريات الإنسان الأساسية في الحياة، وقد أكدتها جميع الاتفاقيات الدولية والإقليمية حول العالم، على الرغم من ذلك لا تعتبر حرية التعبير من الحريات المطلقة، وإنما تحددها مجموعة من القيود والمحددات.
وقد تم الاعتراف بحق حرية التعبير كحق أساسي من حقوق الإنسان بموجب المادة رقم (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، حيث تنص المادة (19) «أنه «لكل إنسان حق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها»؛ وتؤكد هذه المادة من خلال نصها المعلن على أن ممارسة هذه الحقوق يراعى فيها «واجبات ومسؤوليات خاصة» وأنه «وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود» عند الضرورة «لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم» أو «لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة».
ومن ذلك يلاحظ أن المادة الخاصة بحرية التعبير قيدت هذه الحرية بضوابط منصوص عليها.
هذه القيود ضبطت حرية التعبير في مجالاتها الثلاثة حرية الرأي، وحرية الصحافة والإعلام، وحرية تلقي المعلومات.
وظهر هذا الضبط في كثير من دول العالم المتقدمة: ففي فرنسا: يمنع القانون الفرنسي أي كتابة أو حديث علني يؤدي إلى حقد أو كراهية لأسباب عرقية أو دينية، وفي ألمانيا: ينص البند الخامس في القانون الأساسي الألماني على حق حرية التعبير، ولكنه يرسم حدودا مماثلة للقانون الفرنسي تمنع خطابات الكراهية ضد العرق والدين، وفي بولندا: تعتبر الإساءة إلى الكنيسة الكاثوليكية ورئيس الدولة جريمة يعاقب عليها القانون، وفي كندا: يمنع القانون الكندي خطابات وأفكار الكراهية ضد أي مجموعة دينية أو عرقية وتمنع الأفكار أو الكلمات أو الصور التي تعتبر مسيئة أخلاقيا. وفي الولايات المتحدة: يعمل باختبار ميلر Miller test الذي بدأ العمل به في عام 1973 ويعتمد المقياس على ثلاثة مبادئ رئيسية منها إذا كانت حرية التعبير تعارض القوانين الجنائية.
وتعمل المملكة على منح حق حرية التعبير أسوة بدول العالم بضوابط تجعل هذا الحق يتوافق مع عقيدتنا الإسلامية وشريعتنا السمحة ومصلحة بلادنا.
وبناء على ذلك خطت المملكة خطوات متقدمة لتهيئة البيئة المحلية لممارسة حرية التعبير المنضبطة؛ ومن أبرز المؤسسات التي أنشأتها المملكة لهذا الغرض: مجلس الشورى، ومركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، وهما مؤسستان تمنحان حق حرية التعبير تحت قبتيهما في المجالات المطروحة للنقاش، إضافة إلى مراكز المناصحة والرعاية التابعة لوزارة الداخلية وغيرها من المؤسسات المعنية بضبط مؤسسات الصحافة والإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وفحص المعلومات المتلقاة وتقويمها وتصحيحها لضمان سلامتها من التضليل المتعمد.
وتمنع المملكة بموجب نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية عشوائية التعبير الذي يتسبب في إثارة الرأي العام أو التحريض على مؤسسات الدولة أو المساس بالحياة الخاصة للآخرين؛ كون هذه الجرائم لا تعد من حرية التعبير المسموح بها في كل دول العالم.
وتشترك جهات الضبط في أمن الدولة ومراكز الشرطة في الأمن العام بمباشرة أي قضايا من هذا النوع؛ حيث تضبط الجهات المختصة في أمن الدولة قضايا الإرهاب والجرائم المنظمة من هذا النوع، كما تضبط مراكز الشرطة في الأمن العام أي قضايا تتعلق بهذا المجال غير ما يختص به أمن الدولة، كما تشترك المحكمة الجزائية المتخصصة مع محاكم وزارة العدل الجزائية بالنظر الشرعي في مثل هذه الجرائم.
ولعلي أختم هذا المقال بالموقف الذي حصل معي حينما كنت مسؤولا عن مكتب تحرير صحيفة الندوة بالمدينة المنورة سابقا، حيث تمت دعوة مديري مكاتب الصحف آنذاك لحضور المؤتمر الصحفي الذي يعقده الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز أمير منطقة المدينة رحمه الله عام 1999 بعد مشاهدته بروفة أوبريت مهرجان المدينة المنورة الأول قبل العرض الرسمي بيومين، وقبل بدء المؤتمر قال موجها كلامه للصحفيين: نريد ملاحظات تعبر عن رأيكم بحرية كاملة لنتلافى الأخطاء، فإن كان ليس لديكم شيء من هذا فأرجو أن لا نضيع الوقت؛ فصمت الجميع لكنني عزمت على أن أطرح السؤال الذي أعددته بعد مشاهدة بروفة الأوبريت فرفعت يدي وتقدمت للمايكرفون فقلت: يلاحظ يا سمو الأمير إن موسيقى الأوبريت لا تتوافق مع قدسية المدينة المنورة، عندها صمت سموه قليلا فقال أحسنت، ثم نظر إلى المنظمين للحفل من حوله فقال: يجب مراعاة هذه الملاحظة في العام المقبل.
أتذكر هذا الموقف مستدلا به دائما على أن المملكة تمنح حرية التعبير للجميع، ويشجع قادتها ذلك في كل مناسبة؛ ولا أدل على ذلك من قول خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله: «رحم الله من أهدى إلي عيوبي»، ما يؤكد أن حرية التعبير المسموح بها في المملكة وفي كل دول العالم هي حرية التعبير النافعة للمجتمع والإنسانية وعمارة الأرض، لا تلك المشتتة للمجتمعات الضارة بالإنسانية المفسدة بالأرض بعد إصلاحها.
alsuhaimi_ksa@
فحرية التعبير هي إحدى حريات الإنسان الأساسية في الحياة، وقد أكدتها جميع الاتفاقيات الدولية والإقليمية حول العالم، على الرغم من ذلك لا تعتبر حرية التعبير من الحريات المطلقة، وإنما تحددها مجموعة من القيود والمحددات.
وقد تم الاعتراف بحق حرية التعبير كحق أساسي من حقوق الإنسان بموجب المادة رقم (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، حيث تنص المادة (19) «أنه «لكل إنسان حق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها»؛ وتؤكد هذه المادة من خلال نصها المعلن على أن ممارسة هذه الحقوق يراعى فيها «واجبات ومسؤوليات خاصة» وأنه «وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود» عند الضرورة «لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم» أو «لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة».
ومن ذلك يلاحظ أن المادة الخاصة بحرية التعبير قيدت هذه الحرية بضوابط منصوص عليها.
هذه القيود ضبطت حرية التعبير في مجالاتها الثلاثة حرية الرأي، وحرية الصحافة والإعلام، وحرية تلقي المعلومات.
وظهر هذا الضبط في كثير من دول العالم المتقدمة: ففي فرنسا: يمنع القانون الفرنسي أي كتابة أو حديث علني يؤدي إلى حقد أو كراهية لأسباب عرقية أو دينية، وفي ألمانيا: ينص البند الخامس في القانون الأساسي الألماني على حق حرية التعبير، ولكنه يرسم حدودا مماثلة للقانون الفرنسي تمنع خطابات الكراهية ضد العرق والدين، وفي بولندا: تعتبر الإساءة إلى الكنيسة الكاثوليكية ورئيس الدولة جريمة يعاقب عليها القانون، وفي كندا: يمنع القانون الكندي خطابات وأفكار الكراهية ضد أي مجموعة دينية أو عرقية وتمنع الأفكار أو الكلمات أو الصور التي تعتبر مسيئة أخلاقيا. وفي الولايات المتحدة: يعمل باختبار ميلر Miller test الذي بدأ العمل به في عام 1973 ويعتمد المقياس على ثلاثة مبادئ رئيسية منها إذا كانت حرية التعبير تعارض القوانين الجنائية.
وتعمل المملكة على منح حق حرية التعبير أسوة بدول العالم بضوابط تجعل هذا الحق يتوافق مع عقيدتنا الإسلامية وشريعتنا السمحة ومصلحة بلادنا.
وبناء على ذلك خطت المملكة خطوات متقدمة لتهيئة البيئة المحلية لممارسة حرية التعبير المنضبطة؛ ومن أبرز المؤسسات التي أنشأتها المملكة لهذا الغرض: مجلس الشورى، ومركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، وهما مؤسستان تمنحان حق حرية التعبير تحت قبتيهما في المجالات المطروحة للنقاش، إضافة إلى مراكز المناصحة والرعاية التابعة لوزارة الداخلية وغيرها من المؤسسات المعنية بضبط مؤسسات الصحافة والإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وفحص المعلومات المتلقاة وتقويمها وتصحيحها لضمان سلامتها من التضليل المتعمد.
وتمنع المملكة بموجب نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية عشوائية التعبير الذي يتسبب في إثارة الرأي العام أو التحريض على مؤسسات الدولة أو المساس بالحياة الخاصة للآخرين؛ كون هذه الجرائم لا تعد من حرية التعبير المسموح بها في كل دول العالم.
وتشترك جهات الضبط في أمن الدولة ومراكز الشرطة في الأمن العام بمباشرة أي قضايا من هذا النوع؛ حيث تضبط الجهات المختصة في أمن الدولة قضايا الإرهاب والجرائم المنظمة من هذا النوع، كما تضبط مراكز الشرطة في الأمن العام أي قضايا تتعلق بهذا المجال غير ما يختص به أمن الدولة، كما تشترك المحكمة الجزائية المتخصصة مع محاكم وزارة العدل الجزائية بالنظر الشرعي في مثل هذه الجرائم.
ولعلي أختم هذا المقال بالموقف الذي حصل معي حينما كنت مسؤولا عن مكتب تحرير صحيفة الندوة بالمدينة المنورة سابقا، حيث تمت دعوة مديري مكاتب الصحف آنذاك لحضور المؤتمر الصحفي الذي يعقده الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز أمير منطقة المدينة رحمه الله عام 1999 بعد مشاهدته بروفة أوبريت مهرجان المدينة المنورة الأول قبل العرض الرسمي بيومين، وقبل بدء المؤتمر قال موجها كلامه للصحفيين: نريد ملاحظات تعبر عن رأيكم بحرية كاملة لنتلافى الأخطاء، فإن كان ليس لديكم شيء من هذا فأرجو أن لا نضيع الوقت؛ فصمت الجميع لكنني عزمت على أن أطرح السؤال الذي أعددته بعد مشاهدة بروفة الأوبريت فرفعت يدي وتقدمت للمايكرفون فقلت: يلاحظ يا سمو الأمير إن موسيقى الأوبريت لا تتوافق مع قدسية المدينة المنورة، عندها صمت سموه قليلا فقال أحسنت، ثم نظر إلى المنظمين للحفل من حوله فقال: يجب مراعاة هذه الملاحظة في العام المقبل.
أتذكر هذا الموقف مستدلا به دائما على أن المملكة تمنح حرية التعبير للجميع، ويشجع قادتها ذلك في كل مناسبة؛ ولا أدل على ذلك من قول خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله: «رحم الله من أهدى إلي عيوبي»، ما يؤكد أن حرية التعبير المسموح بها في المملكة وفي كل دول العالم هي حرية التعبير النافعة للمجتمع والإنسانية وعمارة الأرض، لا تلك المشتتة للمجتمعات الضارة بالإنسانية المفسدة بالأرض بعد إصلاحها.
alsuhaimi_ksa@