ياسر عمر سندي

قليل من العفوية لا يفسد للحياة قضية

الأربعاء - 28 يوليو 2021

Wed - 28 Jul 2021

الإيقاعات الروتينية الثابتة للمراحل العمرية الطويلة تقيد صاحبها ضمن مسار ممتد، فتتحول إلى أسلوب حياة تلتصق في تركيبته الشخصية منذ بداية إدراكه ونشأته حتى تصبح نمطه وسمته العامة بالتعود على فعل محدد باستخدام تكرار واحد مثل ممارسة الهوايات والعادات بطريقة معينة كالاستماع إلى الغناء الكلاسيكي فقط أو قراءة كتب متخصصة مع رفض تنويع مصادر المعرفة الأخرى وغيرها الكثير من الأمثلة التي يقوم بها البعض، أدت بهم بعد فترة إلى ما يسمى بالتخمة الروتينية والتشبع الإيقاعي.

العفوية التي أشير إليها في عنوان المقال لا أعني بها أن يتم الخروج عن المسار الشرعي القويم أو العرفي السليم أو أعني بها الانحطاط في الذائقة أو خرق النظام والالتزام وقفز السدود وتجاوز الحدود على الآخرين، بل هي استراحة لذلك المحارب الإيقاعي الذي اعتاد على طريقة سلوكية معينة طوال حياته، وهذه الاستراحة أجدها صحية للمحافظة على الإتقان والاتزان بصيانة الإنسان في كل مرة ولكل مرة من سلوكياته النمطية المتكررة، فالعفوية أرى أنها مرحلة تفريغ وقتي ومتنفس مرحلي يحتاجها أصحاب الأسلوب التكراري، لأن النفس البشرية تميل كل فترة إلى التجديد وتستحسن الجديد وربما تعتبر هذه المرحلة الفاصلة تذويبا لقالب الثلج وترويحا للنفس من الكلل الذي يعتريها لأن القلوب إذا كلت عميت.

إذا افترضنا أن شخصا ما اعتاد تناول وجبة الغداء على طاولة الطعام في غرفة معينة من المنزل وفي نفس المقعد وفي الزمن المحدد كأن تكون الساعة الواحدة ظهرا يوميا هذا التكرار والاستمرار مكانيا وزمانيا لا ضير أن يتدخل فيه بعض من العفوية لإحداث حلحلة ذلك الاستمرار الحاصل كنوع من الخروج عن المألوف بتناول وجبة من المأكولات السريعة مع القليل من المشروبات الغازية في الساعة الثانية أو الثالثة بعد الظهر خارج المنزل بعيدا عن البروتوكولات والالتزامات البيروقراطية والسلوكية الخانقة.

أو أن آخر اعتاد على مظهر رسمي متكرر في شكله وهندامه وطريقة كلامه وموعد ومكان استيقاظه ونومه وأسلوبه الذي ارتضاه بالتعامل مع من حوله بأن يشاهدوه في ذلك القالب الذي وضعه لنفسه فلا بأس أن يتحرك ذلك الإطار بإعادة تشكيل الصورة النمطية لديه والذهنية لدى الآخرين بشيء من عفوية الملابس غير الرسمية مع قليل من حس الدعابة وروح المرح وشيء من النكات والضحكات وتجاوز الأوقات حتما سيضفي ذلك على شخصيته وعلى الآخرين الكثير من الإنعاش والحيوية بزيادة جرعات طاقة القلب والعقل والسلوك بعد سبات روتيني عميق.

عفوية الخروج من قوالبنا لا تعني تهورنا أو التقليل من قدرنا، بل هي طريقة تعبيرية لتجديد الدماء وتحريك المياه الراكدة في النفس والمشاعر، فقليل من العفوية لا يفسد الحياة بل يجعلها أكثر فاعلية.

Yos123Omar@