محمد النفاعي

إكسير الحياة المؤسسي

الاحد - 25 يوليو 2021

Sun - 25 Jul 2021

لكل شيء إذا ما تم نقصان ..

فلا يغر بطيب العيش إنسان

هنا اختصر الشاعر الأندلسي أبوالبقاء الرندي في هذا البيت الأشهر من قصيدته «رثاء الأندلس» دورة الحياة بشكل عام، والتي تتطابق مع ما أتى به العالم ابن خلدون في نظرية الأطوار. على نفس المبدأ أرى أن الشركات والمؤسسات أيضا مثل الكائن الحي الذي يعيش أطواره الأربعة، وهي الولادة والنمو والهرم ثم الفناء.

من هذا المنطلق حرصت المؤسسات في البحث عن الحلول للحياة أطول فترة ممكنة. فبدأت بالتركيز على إنشاء معايير داخلية للإجراءات Standard Procedures والتي من أهمها تخفيف المخاطرة Risk Mitigation لمنع السقوط الكارثي للأعمال.

مع زيادة التحديات أيقنت المؤسسات أن هذا ليس كافيا للحفاظ على المكتسبات التي وضع بذرتها الأولى المؤسسون الأولون وسقوها بالعمل الدؤوب.

من هنا كان الحل الأمثل هو تطبيق برنامج التميز التشغيلي Operational Excellence والذي أصبح هو إكسير الحياة وترياق الشباب بالنسبة للمؤسسات في عصرنا الحالي.

فالتميز التشغيلي للمؤسسة هو ببساطة تنفيذ عملياتها بطريقة ممتازة لتحقيق التميز والحفاظ عليه من خلال رفع معايير الأداء والتحسين المستمر لعمليات المؤسسة وأنظمتها وسياساتها. هذا الأمر يعزز الوصول إلى مستويات رائدة ومتقدمة في مرتكزات البرنامج مثل الكفاءة efficiency والموثوقية reliability والسلامة safety والتكلفة والربحية.cost and profitability لذلك من المهم دمج التميز التشغيلي في الأنشطة اليومية حتى تنشأ ثقافة عالية عند الجميع وعلى مختلف المستويات في الهيكل التنظيمي للوصول إلى الأداء الكفؤ والفعال والتخفيف من المخاطر وتلبية الاستراتيجيات القصيرة والطويلة المدى.

يذكر أن التميز التشغيلي له مكونات أربعة أساسية يجب أن تتوافر في أي برنامج تميز مؤسسي ناجح، وهي كالتالي: النموذج Model والتنفيذ Implementation والتقييم Assessment والحوكمة .Governance

المكون الأول: النموذج والذي يعتمد أساسا على التوازن بين مرتكزاته الأساسية الآنفة الذكر والتي يدعمها الكثير من عناصر التمكين Enabling Elements. هذه العناصر تختلف من مؤسسة إلى أخرى حسب أهداف التميز المأمول. من أمثلة عناصر التمكين ما يلي:

القيادة والمساءلة، التركيز على العملاء، الموارد البشرية، إدارة الأصول والعمليات، الموارد المالية، الخدمات الخارجية، إدارة المعلومات والوثائق، إدارة المخاطر والابتكار.

وكما يقال «بالمثال يتضح المقال»، لو أخذنا مثلا عنصر الموارد البشرية لوجدنا تحته مجموعة من التوقعات تصف ما يجب القيام به لإطلاق العنان للإمكانات الكاملة لقوتها العاملة ومن ثم تحقيق التميز في هذا العنصر.

أمثلة على التوقعات:

• تقييم واختيار الموظفين

• تطوير الذات وكفاءات الموظفين

• التحسين المستمر حسب ردود فعل الموظفين

• ربط الموظفين بالمستجدات ومشاركة المعلومات

• مكافأة الموظفين وتقديرهم

المكون الثاني: التنفيذ والذي يشرح كيفية تحقيق التميز واستدامته عن طريق تطبيق عمليات وممارسات محددة بوضوح واتساق للجميع.

المكون الثالث: التقييم والذي يوفر مقياسا دوريا لمستوى تحقيق أهداف التميز. إنه يعاين ويفحص نتائج التنفيذ ومدى تأثيرها على مرتكزات التميز التشغيلي وهل عناصر التمكين أسهمت في استدامة النتائج أم لا.

المكون الرابع: الحوكمة وهدفها إضفاء الطابع المؤسسي على البرنامج والتأكد على استدامته وجعله جزءا من ثقافة المؤسسة ودائم الخضرة Ever Green، بالإضافة إلى توفير التدريب والدعم من داخل المؤسسة للاعتماد على نفسها في تنفيذ البرنامج.

ختاما نقول إن التميز التشغيلي بات ضروريا للمؤسسات لمواكبة التطور السريع والتحديات التي أفرزتها الجائحة، وحقيقة أننا نعيش في عصر الثورة الصناعية الرابعة المليء بالمتغيرات السريعة. ولنأخذ العبرة بما حدث لكبريات الشركات التي لم تساير الركب، مما أدى إلى فنائها مثل شركة بولارويد ونوكيا.

@msnabq