زيد الفضيل

اقتصاد المعرفة

الاحد - 25 يوليو 2021

Sun - 25 Jul 2021

في مقالي السابق أشرت بوضوح إلى مفهوم ودلالة اقتصاد المعرفة ومدى إمكانية الاستفادة من مضامينه في شهر الحج، حيث يفد إلى المشاعر المقدسة آلاف مؤلفة من الناس تهوي أفئدتهم إلى البيت العتيق وزيارة مسجد رسول الله والسلام عليه صلى الله عليه وآله وسلم، وكل تلك الجموع على اختلاف مشاربهم وثقافتهم يفدون بغير تسويق من أحد وإنما استجابة لنداء عظيم صدح به أبوالأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام، حين أمره الله بأن يترك زوجه السيدة هاجر وابنه سيدنا إسماعيل في أرض لا ماء فيها ولا زرع لكنها عند بيت الله المحرم.

تلك كانت البداية لتخلق مكة المكرمة التي باتت مقصدا لكل العرب ثم محجا لكل المسلمين من بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فكان أن وفد إليها الكثير من فئات المجتمع سواء كانوا علماء أو أدباء، تجارا وباعة، أغنياء وفقراء، وفدوا جميعا إليها بقلوبهم محبة ورغبة، ودون أي عناء تسويقي. والسؤال الذي طرحته في ثنايا المقال السابق هو: كيف يتسنى لنا نحن معاشر المثقفين والعلماء في المملكة العربية السعودية الاستفادة من مختلف تلك الفئات المثقفة والعلمائية ممن يفدون إلى الحج على حسابهم الخاص، وأقصد بأنهم غير مستضافين رسميا من أي جهة رسمية في المملكة؟

ذلك كان فحوى مقالي السابق «إدارة الثقافة في الحج»، وأشير إلى أن ما أوردته من أفكار تصب جميعها في خانة ما بات يعرف اليوم باقتصاد المعرفة الذي بات يشكل أحد أهم قطاعات النمو الاقتصادي في العالم، لاعتماده على تكنولوجيا المعلومات والرقمنة. فالاقتصاد المعرفي يبتدأ من مدخل عملية إنتاج وصناعة المعرفة، ويعتمد على قوة ما تملكه الدولة من بنية تحتية مبنية على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وهو ما صار جاهزا لدينا ولله الحمد، باعتبارهما أحد مؤشرات ما يعرف بالعولمة واقتصاد المعرفة، التي تستفيد من ثورة المعلومات وانتشار شبكات الحاسوب والربط بينها عبر الإنترنت حتى بات العالم قرية واحدة صغيرة، ونحن جزء أصيل منها وفق ما تطمح له رؤية 2030.

في هذا السياق دعوني أذكر باستفهامي حين قلت مستفهما مع انتهاء كل موسم حج أسأل نفسي: كم أديب أو ناقد أو مؤرخ أو عالم في فنه، ناهيك عن الفنانين التشكيليين والمصورين الفوتوغرافيين، علاوة على كتاب القصة والرواية، ومبدعي الشعر والمقالة، إلى غيرهم في مختلف الفنون والعلوم، قدموا لأداء فريضة الحج على حسابهم الخاص في كل عام؟ حتما هناك الكثير، لكننا على النطاق الثقافي في المملكة لا نعلم عنهم أي شيء، لكونهم قد أتوا بشكل شخصي ودون أن يكونوا مدعوين من أي جهة رسمية. وتساءلت في وقته قائلا: أليس من آلية تمكننا من الاستفادة من موسم الحج الدوري ثقافيا ومعرفيا، تحقيقا لقوله تعالى {ليشهدوا منافع لهم}؟

حتما هناك طرق كثيرة يمكن طرحها لتحقيق ذلك، أولها إعداد قاعدة بيانات دقيقة ترتبط بتأشيرات الحج وتأشيرات الزيارة كذلك، وفيها ستستبين لنا هوية القادم إلينا وما إذا كان من أهل المعرفة أو المال، العامة والخاصة، وغيرهم. وهكذا مع توفر قاعدة البيانات يمكننا التحرك بشكل سلس، عبر توفير مكان دائم لكل فئة تجتمع فيه، فتكون لدى الحاج والزائر فرصة للتعرف على نظرائه بزيارة الموقع المخصص الثابت في حال رغبته بذلك، وكم أتخيل أديبا يلتقي بنظيره، أو عالما في فن من الفنون العلمية المتنوعة يلتقي بنظيره سواء من المملكة أو العالم خلال رحلته، بل كم أتخيل فنانا تشكيليا تشده نفسه الرقيقة لتوثيق جماليات رحلته برسم لوحة فنية هدية منه للمكان والمكين.

أفكار كثيرة كانت ولا تزال هاجسي منذ زمن ليس بالقريب، وكتبت فيه وتحدثت عنها مرارا وتكرارا، وأخشى أننا كمجتمع ثقافي نهدر فرصة ثمينة للتلامس مع كثير من المثقفين في مختلف الفنون خلال موسم الحج المبارك، ممن قدموا لأداء فريضة الحج بشكل شخصي، بعيدا عن الدعوات التي تتبناها بعض المؤسسات الرسمية كوزارة الحج والعمرة ووزارة الثقافة ووزارة الإعلام ورابطة العالم الإسلامي وغيرها.

كم هو رجائي كمثقف وباحث أن يتحقق المراد، ونشهد في قابل المواسم تفعيلا عمليا لذلك، فهل إلى ذلك سبيل؟

أخيرا وكما ذكرت سابقا الحج ليس قاصرا على العبادة الدينية وحسب، بل هو طقس تمارس فيه كل احتياجات الناس من بيع وشراء لتحقيق قانون ليشهدوا منافع لهم، وهو موعد يلتقي فيه الناس على اختلاف مشاربهم سواء في سوق عكاظ أو ذي المجاز ومجنة، وهو ما يدعونا إلى إعادة تفعيل ذلك بشكله المعاصر وفق رؤية برامجية واقتصادية معرفية واضحة المعالم.

zash113@