ياسر عمر سندي

مساحة الارتداد المطلوبة

الأربعاء - 14 يوليو 2021

Wed - 14 Jul 2021

النفس البشرية توليفة معقدة من مكونات عديدة أساسها بيولوجي وأيضا سيكولوجي، أي أنها ملموسة وأخرى محبوسة داخل الجسد، والتي تؤثر فيه وتتأثر بسببه إما سلبا أو إيجابا، ولهذا التكوين البشري داعمان رئيسان يقومان بالتحكم في توجيه دفة الإدارة والإرادة للإنسان ليقودانه إلى بر الأمان بشرط أن يحسن التصرف معهما ويوازن قدر المستطاع في عملية الشد والجذب الناتجة عنهما في جميع التعاملات والعلاقات المصيرية اجتماعيا واقتصاديا حتى نصل إلى أرض سواء بين كفتي العقل والقلب لنكون جميعا الرابحين نفسيا.

في الدوائر الخمس الاجتماعية وهي الأسرة والعائلة والأصدقاء والعمل والمجتمع العام نتعرض كثيرا للوقوع في أزمات ونحتاج أن نعزز هاتين الكفتين بإفرازات التفكير العاطفي في القرارات والتوجيهات التي تكون الأقرب إلى الصح والأكثر نضجا وتوازنا بسبب أنه لا يوجد قرار صائب بنسبة مئة في المئة لكن هنالك قرار يحمل في طياته نسبة المخاطرة المتوقعة ونسب الخطأ الواقعة.

مساحة الارتداد المطلوبة نفسيا هي تلك الخانة التي نستحوذ عليها جميعا كبشر من أملاكنا الخاصة لمعالجة الأمور والمواضيع التي تتطلب ذلك الارتداد المسبق للسماح بترك مسارات مناسبة للنفس بمرور الهفوات والزلات من ذواتنا وكذلك من قبل الآخرين تجاهنا حتى نستطيع المحافظة على علاقات صحية بدرجة كبيرة.

هذه المساحة الارتدادية أجد أنها ضرورة وأحيانا واجبة للتخطيط المسبق كأسلوب تطهير سلوكي سواء كان ذلك السلوك لفظيا أو فعليا أو إيمائيا والتي نحتاج إلى تفعيلها بين الفينة والأخرى لرأب الصدع وترميم البناء حتى يستقيم ويعتدل ويدوم، وكذلك يأمن ساكنوه ومرتادوه آثار التصدع والانهيار.

مساحة الارتداد النفسي تكمن في أخذ الحسبان والتعامل بالإحسان؛ فالبشر مجبولون على الخطأ الفطري والذي يؤدي إلى زعزعة واضطراب الأنفس الكامنة بدواخلنا، فالنفس الأمارة بالسوء مزعجة في إلحاحها وتسلطها المتكرر والنفس اللوامة تحضر لتوفير هذه المساحة الرادعة التي تقينا شر السوء قبل وقوعه وأثناء الغفلة والضعف البشري لنصل -برحمة الله- إلى خانة النفس المطمئنة.

تلك المساحة يجب الاقتناع بها ذاتيا بالوعي وإقناع الآخرين بها بالحسنى والتي تبدأ بفهمنا المدرك بما نرسمه من حدود شخصية لا نتجاوزها مع الغير وكذلك عدم تجاوز الآخرين من خلالها لحفظ الاتزان السلوكي والثبات النفسي.

أكاد أشبه هذه المساحة الارتدادية بتلك المساحة في ارتداد البناء السكني والعقاري التي تفرضها التشريعات الحكومية والأنظمة البلدية في التخطيط العمراني لتقنين وتخطيط المساحات العشوائية المتجاورة بين السكان، ولتنظيم الشوارع والأحياء حتى لا تقع التعديات والتجاوزات بين الجيران وتسبب المشاحنات والمنازعات.

رسم حدود خانة الارتداد النفسي هي وقاية قبلية للسلوك وكرامة بعدية للمشاعر وكما قيل في المثل الشعبي الدارج محلياً (قيس قبل الغطيس) أي خذ قياساتك الافتراضية قبل أن تتورط فيما لا يحمد عقباه.

@Yos123Omar