آلاء لبني

لماذا يتذمرون من دعم المؤسسات الصحفية؟

الأربعاء - 14 يوليو 2021

Wed - 14 Jul 2021

للمؤسسات الصحفية أدوار مهمة في المجتمع، وأستغرب اعتراض البعض على طلب دعم الدولة والوزارة لها، لماذا تلك النبرة الاستنكارية من بعض الإعلاميين؟! بمن فيهم وزير سابق! ما الذي جعل دعم وزارة الرياضة للأندية ممكنا ومقبولا وبنظام حوكمة مقنن لدعمها ومتابعة وتقييم أدائها؟.

وما الذي يجعله محرما على المؤسسات الصحفية؟ جلد المنظومة بتحميلها كل المتغيرات واللوم والعتب عن سنوات طفرتها التي لم تستغل من بعض المؤسسات في تطوير استثمارها واقتصادها، لنكن واقعيين أتت الطفرة على كثير من القطاعات والجهات أخفقت في استثمارها بالشكل الأمثل، فالطفرة الاقتصادية وسنوات الرخاء لم تنعكس على نسبة تملك المساكن أو تنويع مصادر الدخل الوطني، وكان التخطيط والنظر بعيد المدى غائبا، فيكفي بكاء على اللبن المسكوب!

وتناسي أدوار أخرى لوزارة الإعلام كتطوير أنظمة المؤسسات الصحفية، وتحولها لشركات وخلافه، واستبدال الصحفيين بمشاهير وسائل التواصل الاجتماعي لحضور أهم المناسبات والفعاليات.

ببساطة يتناول البعض زوايا هذه المشكلة ويحصرها بين دفتين في اقتضاب شديد بين الورقي والالكتروني، والمعروف أن تلك المؤسسات لديها مواقع الكترونية منذ زمن بعيد؛ فليست المشكلة الوسيلة المستخدمة للنشر بقدر عدد من الأمور ترهق حمل تلك المؤسسات.

وهناك من يقارن بينها وبين السوشيال ميديا؟ وأثرهما، الغريب أن تكون المقارنة من أهل الإعلام، والمعلوم أن مصدر المعرفة الحقيقية في وسائل التواصل يعتمد على المصدر الموثوق الذي يتم نقله عبر الوسائط المتعددة وبالتأكيد يأتي من وسائل عديدة إحداها الصحف.

ونحن بحاجة زيادة قوة وانتشار المعرفة الصحيحة؛ فالشائعات والمعلومات الخاطئة والمضللة والمنحرفة تزداد جسارة لتتصادم مع المصادر الموثوقة.

ومن الإجحاف أن نقارن بين مؤسسات لا تتجاوز العشرة في بلادنا مع صحف أمريكية، لا مجال للقياس بظاهرة انحسار الصحف الورقية؛ فالقوانين المنظمة والطبيعة الاجتماعية التي يحظى به أهل الصحافة والاهتمامات والاقتصاد والسياسة وسوق الإعلانات مختلف تماما عنا، والحلول التي تنجح هناك ليس بالضرورة أن توائمنا، علما أن الاشتراك الالكتروني مفعل في الكثير منها.

التاريخ الطويل للمؤسسات الصحفية والإرث والكوادر المتخصصة شطبها أمر سهل هين في منظور البعض!، وضياع الخبرات المكتسبة لتذوب وتنتقل لمناصب وموظفين بالاتصال المؤسسي بالقطاع الحكومي والخاص، أمر إن كان مثمرا للأمان الوظيفي وللجهات التي تستفيد استفادة جمة منهم في التلميع أو إبراز الجهود، لكن فعليا فإننا كمجتمع نخسر تلك القدرات في المجال الصحفي مما يضعف من دورها.

ما مشكلتهم في الدعم هل سيدفع أحد من جيبه الخاص؟! ويتحدثون عن موت المؤسسات بكل برود، كأن موتها لن يؤثر على العديد من الجوانب والأبرز زيادة البطالة، كم عدد العاملين بكافة المؤسسات الصحفية والكوادر الوطنية والمتخصصة في الصحافة والتحرير والإعداد؟ ومنذ سنوات والتسرب والاستغناء الوظيفي الظاهرة الأكثر انتشارا لكافة المؤسسات الصحفية؛ لترشيد الإنفاق ربما ذلك مصدر رضا لدى البعض، أن تعمل المؤسسات بأقل كادر بشري يدير عملية النشر والإعداد وتغطية الأخبار والتحقيقات...إلخ وبأقل عدد صفحات، والمطلوب منهم مواكبة الأحداث على مدى أربع وعشرين ساعة، وننتقد ونعيب جودة المخرجات! المال عصب الحياة والتطوير، إن كانت أي مؤسسة تعاني من المصروفات التشغيلية الأساسية فكيف ستطور؟ لتصل لما يسمى اقتصاد المعرفة أو أي اسم يروق لهم!

كيف نطالب بالتحسين والجودة؟ وهم لا يستطيعون تقديم مهامهم الرئيسة، لدينا قصور بدور الصحافة لكن أهم ركائزه المشاكل المالية؛ فالصحافة ليست وعاء فقط لنقل الأخبار والمنجزات يردد أقوال المراكز الإعلامية من هنا أوهناك، الصحافة وعاء للتحقيقات الجادة والصحافة الاستقصائية التي تكاد تكون ميتة، ليس لغياب الصحفيين والمراسلين المتخصصين فقط، بل لقلة الموارد والصعوبات المالية، الكشف عن تلك الخيوط المتشابكة لحاجات الناس وهمومهم أو جوانب القصور يسهم في رفع المعرفة والوعي بعدد من الوقائع، المؤسسات تحتاج للدعم المالي لكي تصنع كل هذا وتدرب الصحفيين، وتنتقي الكتاب الجادين بالتحليل والعرض الرصين.

هناك جانب إنساني مفقود تماما، بانعدام إحساس العاملين بالأمان الوظيفي بالمؤسسات؛ فالاقتطاع من الراتب لتخفيض التكاليف والاستغناء عن زملائك من حولك وانتظار أن تكون ضمن القائمة الجديدة للتخلي عنك، لن يجعلك تشعر بالأمان الوظيفي، وفي عالم الإنتاجية ورفعها يعتبر الافتقار لذاك الأمان أحد أسباب انخفاض الإنتاجية.

وعلى النقيض فإن القطاعات والشركات والمؤسسات التي تسعى لولاء موظفيها تنمي ذلك الارتباط بوافر من المميزات التي ترفع من إنتاجية موظفيها بدءا من صناعتهم وتأهيلهم وتدريبهم وصولا لدعمهم في توفير المسكن والقروض أو حتى قطعة الكاكاو على المكتب احتفالا بمنجزات الجهة أو في المناسبات حتى كوب الشاي المجاني!

ثق أن ذلك جزء من اهتمام الأماكن الذكية المرموقة، يوما فيما مضى عرض علي وظيفة معنية بتنمية الولاء للمنشأة، لأن رأس الهرم في تلك المنظومة جل همه تحقيقها ويعي أهميتها لإنتاجية موظفيه.

السؤال ماذا يفعل رأس الهرم من رؤساء المؤسسات الصحفية وهم بين الشكاوى بمكتب العمل، وبين حقيقة صعوبة مدى الضغط على موظفيهم بتقليل أجورهم والعمل أكثر من الساعات وفق نظام العمل بلا أجر إضافي، هذا دون أهمية الالتزامات الوطنية بالنشر والمتابعة.

أشار موفق النويصر رئيس تحرير «مكة» في مقابلة تلفزيونية عن انحسار حصة الإعلانات لصالح الشركات الأمريكية بوسائل التواصل، وتلك قصة أخرى تستحق الدراسة والتمحيص والتحليل.

ختاما لو أن أحوال الصحافة خير مما هي عليه الآن لما اخترت سواها تلك المهنة الراقية التي تبحث عن المعرفة وتجمع الخيوط والتقاطعات والتحليل وعرض المشاكل من زوايا متنوعة.

AlaLabani_1@