هل خدع فاوتشي الأمريكيين في جائحة كورونا؟

رسائله المسربة أثارت جدلا واسعا ودفعت الجمهوريين للمطالبة بطرده من البيت الأبيض حارب الجميع للتأكيد على أن الخفافيش وراء ظهور فيروس كورونا وبرأ مختبر واهان جمعية أمريكية اختارته «إنسان عام 2021» وتستعد لتكريمه نهاية الشهر الجاري الاتهامات بالتضليل والتنمر والكذب والرشوة تلاحقه.. وبعضهم يعتبره بطلا مكيلفي: أخبر الناس بعدم ارتداء الكمامات ثم عاد وتراجع عن كل آرائه
رسائله المسربة أثارت جدلا واسعا ودفعت الجمهوريين للمطالبة بطرده من البيت الأبيض حارب الجميع للتأكيد على أن الخفافيش وراء ظهور فيروس كورونا وبرأ مختبر واهان جمعية أمريكية اختارته «إنسان عام 2021» وتستعد لتكريمه نهاية الشهر الجاري الاتهامات بالتضليل والتنمر والكذب والرشوة تلاحقه.. وبعضهم يعتبره بطلا مكيلفي: أخبر الناس بعدم ارتداء الكمامات ثم عاد وتراجع عن كل آرائه

الأربعاء - 14 يوليو 2021

Wed - 14 Jul 2021

يرى فريق من الخبراء أن الطبيب الأول في الولايات المتحدة الدكتور أنتوني فاوتشي، خدع الأمريكان على مدار عام كامل، وكذب على إدارة الرئيس دونالد ترمب عبر رسائل وإفادات خالفت الواقع، وأدت إلى وفاة آلاف خلال أزمة كورونا.

وفيما دعا نواب جمهوريون أمريكيون إلى إقالة المستشار الطبي للبيت الأبيض ورئيس مركز الأمراض المعدية أنتوني فاوتشي بسبب إدارته لوباء (كوفيد 19)، فضح موقع (نيويورك تايمز) التصرفات غير المسؤولة، وتداول الأمريكيون الرسائل المسربة من حسابه، والتي تكشف المخاوف والارتباك الذي حدث بداية من ظهور الوباء.

ورغم اتهام فوتشي بالكذب وتضليل الأمريكيين إلا أنه بات (رجل 2021 الإنساني)، وفق الجمعية الإنسانية الأمريكية التي أعلنت قبل أيام اختيار كبير المستشارين الطبيين للرئيس جو بايدن كأفضل إنساني، مما يضع علامة استفهام كبيرة حول الرجل.. هل هو ظالم أم مظلوم؟

إنسان العام

وأشارت الجمعية الإنسانية الأمريكية إلى أن (إنسان العام) هو أعلى شرف تمنحه الجمعية الإنسانية الأمريكية، وسيمنح إلى فاوتشي في المؤتمر السنوي الثمانين للجمعية في يوم 24-25 يوليو. من بين متلقي الجائزة السابقين كارل ساجان (1981)، وكورت فونيغوت (1992)، وغلوريا ستاينم (2012).

وقال (روي سبيكهارت) المدير التنفيذي لجمعية القلب الأمريكية، «إن الدكتور فاوتشي جسد القيم الإنسانية من التزامه الراسخ بالعلم، وإظهار التعاطف والرحمة للآخرين ونهجه العام المباشر». مضيفا «لقد أظهر مدى قوة العلم والقيم الإنسانية في إنقاذ الأرواح على مدى العام المنصرم، إن كان هناك إنساني العام المناسب لهذا العام فهو كذلك».

تنمر فاوتشي

لكن رجل العام الإنساني في أمريكا كذاب ومخادع في رأي الكثيرين، حيث اتهمت النائبة الجمهورية لورين بويبرت فاوتشي بالتنمر وفق صحيفة (انديبندنت) البريطانية؛ لأنه طالب الناس بتجاوز موقفهم السياسي والحصول على لقاح (كوفيد 19) من أجل أنفسهم وعائلاتهم.

وأعادت النائبة تغريدة منشورة صادرة عن (ديلي كولر) - وهو موقع إخباري وآرائي يميني - نقل عن فاوتشي قوله «ما هي المشكلة؟ تخطوا الأمر. تجاوزوا هذا البيان السياسي. فقط تخطوا الأمر وحاولوا أن تنقذوا حياة أنفسكم وعائلاتكم»، تم إرفاق مقطع فيديو مع التغريدة من مقابلة أجراها د. فاوتشي مع (كريس هايز) من قناة قناة إم إس إن بي سي الإخبارية، حيث كان يناجي الأمريكيين المترددين في تلقي اللقاح، مشيرا إلى أن الجرعات مجانية ومتاحة بسهولة.

يانصيب ورشوة

وعلقت بويبرت «أعتقد أننا انتهينا من عمليات اليانصيب والرشوة، والآن انتقلنا إلى التنمر»، وهو أمر بسيط نظرا إلى الجهود التي تبذلها المدن والولايات والشركات الخاصة لتقديم حوافز للأشخاص ليحصلوا على اللقاح، بدءا من البيرة والكعك لمنح الكليات والجوائز النقدية، إلا أن بعض مستخدمي تويتر وبخوا بويبرت بشدة على تغريدتها حيث قالت أحد الردود «إذن بشكل أساسي أنت تقولين أنك موافقة على إصابة ناخبيك بـ (كوفيد) وربما الموت؟»

كان على إدارة بايدن أن تعترف بأنها لم تحقق هدفها للرابع من يوليو وهو تلقي 70% من البالغين الأمريكيين جرعة واحدة على الأقل وحصول 160 مليون شخص على اللقاح بشكل كامل. حاليا، تم تطعيم 158.3 مليون أمريكي بشكل كامل، أي 55.8% من السكان فوق سن 12 عاما المؤهلين حاليا للحصول على اللقاح.

ويبلغ إجمالي عدد الأمريكيين الذين تزيد أعمارهم عن 12 عاما ممن تلقوا جرعة واحدة على الأقل 183 مليونا، أي 64.5% من السكان.

مواجهة ترمب

نشر موقع النيويورك تايمز في العام الماضي مقالة تستوضح التصرفات التي قام بها فاوتشي منذ بدء الجائحة مع التركيز على مبادئه، وقالت الكاتبة دينيس غريدي»ليس وباءه الأول، الدكتور أنثوني فاوتشي متمسك بالحقائق»، مشيرة إلى أنه لم تتأثر بتراجع المسؤولين الآخرين أمام أسئلة العامة ومجابهة الإعلام بحقائق وتطورات الوباء الحديث.

وفي حديث الرئيس ترمب بأن شركات الأدوية ستصنع لقاحا لفيروس كورونا (قريبا)، تقدم فاوتشي مرارا عقب الرئيس خلال المؤتمرات المذاعة لتعديل الوقت المتوقع، وإعطاء تقديرات أكثر دقة بمعنى (عام على الأقل أو 18 شهرا)، كما قال ترمب بأن إيجاد (علاج) هو أمر ممكن، بينما شرح فاوتشي بأنهم حاليا يدرسون العقاقير مضادة الفيروسات في محاولة لمعرفة إمكانيتها في تخفيف وطأة الإصابة. وقد قال الرئيس كذلك أن المرض سينتهي في الربيع، بينما أشار فاوتشي إلى إمكانية ذلك فحسب نظرا لكونه فيروس حديث ولا مجال للمعرفة بشكل مؤكد.

6 رؤساء

استمر فاوتشي في منصبه كمدير للمعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية NIAID عبر فترة رئاسة 6 رؤساء وقد رفض عدة طلبات لقيادة المنظمة الأم للمعهد، معاهد الصحة الوطنية الأمريكية، كما قام بقيادة الجهود الفدرالية لمكافحة الأمراض التي تتسبب بها الفيروسات الناشئة مثل فيروس العوز المناعي البشري، ومتلازمة الالتهاب الرئوي الحاد، ووباء إنفلونزا الخنازير، ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، والأيبولا، والآن فيروس كورونا الجديد.

أسهمت الأوبئة السابقة في جعل الدكتور فاوتشي متأهبا بأي أمراض جديدة، وفي يناير، شدت تقارير حالات فقر الدم غير المبررة في ووهان في الصين انتباهه، يقول فاوتشي «حتى قبل معرفتنا بأنه فيروس كورونا، قلت بأنني متأكد أن ذلك يبدو مثل نوع من فيروس «SARS» حالما تم التعرف عليه، دعوت إلى اجتماع مع أشخاص رفيعي المستوى وقد قلت لهم «لنبدأ العمل على لقاح في الحال».

أغلى موظف

يعد فاوتشي من بين أكثر الموظفين الفيدراليين أجرا حيث يجني 400 ألف دولار سنويا، وذلك أكثر من نائب الرئيس أو رئيس قضاة الولايات المتحدة الأمريكية.

وفقا لـ(دونا شلالا)، والتي كانت ترأس د. فاوتشي وقت قيادتها وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية خلال إدارة كلينتون،»هناك العديد من العلماء رفيعي المستوى، ولكن ما يمتلكه فاوتشي هو مجموعة من المهارات المميزة»، وتضيف «قدرته على التواصل ونزاهته العالية وفهمه للسياسة - وكيفية إبقاء نفسه خارج السياسة من أجل حماية العلماء».

وكذلك نشر موقع (بي بي سي) مقالا حول الرسائل الالكترونية المسربة من حساب رئيس مركز الأمراض المعدية فاوتشي. والتي توضح المخاوف والارتباكات التي حصلت بداية الوباء.

أكثر من 3 آلاف صفحة من الرسائل الالكترونية التي حصلت عليها صحيفة (واشنطن بوست) و(بززفيد) والـ(سي ان ان) عبر قانون حرية المعلومات منذ أول يناير 2020، وتلقي محادثات فاوتشي الضوء على الأيام الأولى من انتشار الوباء في الولايات المتحدة واتفاقاته مع الحكومة الأمريكية ومسؤولي الصحة المحليين والدوليين وكذلك الإعلام والمشاهير والمواطنين الاعتياديين.

ماذا تحمل الرسائل؟

لاحظ فاوتشي وزملاؤه في الأيام الأولى وجود نظرية تسرب الفيروس من مختبرات ووهان في الصين، وتم صرف النظر عن هذا الادعاء الجدلي من قبل الخبراء في العام الماضي، حيث صرحوا بأنه من «غير المرجح لدرجة كبيرة» وأنه لا وجود لدليل يدعم هذه النظرية.

وتساءل لماذا يتم أخذ نظرية تسرب الفيروس بهذه الجدية؟، اقترح مدير أكبر مركز للأبحاث الحيوية في الدولة الدكتور (فرانسيس كولينز) في رسالة إلى فاوتشي بعنوان «تكتسب المؤامرة مزيدا من الزخم»، وقد تم تنقيح رد الطبيب بالكامل، في شهر مايو الحالي، عبر فاوتشي عن «عدم اقتناعه» بنشأة الفيروس طبيعيا وعبر عن دعمه لإجراء تحقيق.

وفي الشهور الأولى لظهور الوباء، كانت الحكومة الأمريكية ما تزال تعمل على إرشادات ارتداء الكمامات، وفي فبراير 2020، قال فاوتشي في عدد من الرسائل المتبادلة بينه وبين سكرتير الصحة السابق «إن الكمامات هي في الحقيقة للأشخاص المصابين بالفعل لتمنعهم من نشر العدوى، وليست لحماية الأشخاص الأصحاء من التقاط العدوى».

لا للكمامات

وقال فاوتشي «إن الكمامات التي يتم شراؤها من المحلات غير فعالة في تجنب الإصابة بالفيروس لكونه صغيرا بما يسمح له بالمرور عبر المواد المستخدمة في صناعتها».

وفي الشهر التالي، تلقى فاوتشي رسالة من صديق له في مجال الصحة العامة الصينية يخبره بأنه قد تم اقتباسه بشكل خاطئ في الإعلام قوله «إن الغرب يرتكبون خطأ جسيما في توصياتهم بعدم ارتداء الكمامات». وأجاب د. فاوتشي عليه بقوله «أنا متفهم، لا مشكلة. سنتخطى ذلك سويا».

اطردوا الشرير

نشر بعض السياسيين المحافظين ونقاد وسائل الإعلام رسائل فاوتشي في محاولة منهم لطرد فاوتشي بسبب أعماله المتعلقة باستجابات الوباء.

يقول السيناتور الأمريكي (راند بول)، جمهوري معروف بتصادم آرائه مع د. فاوتشي خلال جلسات استماع (كابيتول هيل)، «إن الرسائل تجعل الأمر واضحا للغاية بأن الدكتور محتال كبير».

وعبر الرواق السياسي، جادل الليبراليون بأن مواقف الدكتور فاوتشي تأقلمت مع الدلائل العلمية التي توفرت في ذلك الوقت. بينما احتفى آخرون بنمطه ونبرته في الاستجابة على العديد من الرسائل.

وفي تحليل أجرته مراسلة الـ(بي بي سي) في البيت الأبيض تارا مكيلفي تقول فيه «إن رسائل فاوتشي مشابهة لاختبار بقعة الحبر النفسي، ما تراه في هذه الرسائل يكشف الكثير عنك أكثر مما يكشف عن بقعة الحبر ذاتها، أي الرسائل في هذه الحالة».

بالنسبة لداعمي (ترمب) الذين أعرفهم في بلدات (كانساس) الصغيرة أو المناطق النائية الأخرى فهم يرون الدكتور فاوتشي شريرا، فهو يقوم ببث رسائل متصادمة حول الفيروس ويحور العلم، كما يقولون «إنه قوض من سلطة ترمب حينما كان رئيسا.

تناقضات

وتقول مكيلفي «هؤلاء المحافظون رفضوا ارتداء الكمامات، حتى خلال أسوأ أيام الوباء؛ لأن الإرشادات العلمية بحسب أقوالهم دائمة التغير وأقوال فاوتشي متقلبة، ما تفعله هذه الرسائل هو تقوية موقفهم. بالفعل قام فاوتشي بتغيير آرائه حول الارشادات الصحية، مثل ارتداء الكمامات، مع ظهور المزيد من المعلومات حول الفيروس، حيث أخبر أحدهم في فبراير 2020 بأنهم ليسوا في حاجة إلى ارتداء الكمامات خلال سفرهم، بينما شجع الناس لاحقا على ارتدائها.

على عكس ذلك، فإن الليبراليين في الغرب الأوسط والمناطق الأخرى يرون فاوتشي بطلا، وقد دعمت الرسائل من آرائهم - وأنه غير رأيه حول ما ينبغي على الأشخاص القيام به لمقاومة الفيروس - اعتمادا على البيانات العلمية التي توفرت وليس بناء على ما أراد ترمب للناس سماعه.

لا توجد مؤامرة

يميل فاوتشي إلى فكرة أن الفيروس قفز من الحيوانات (الخفافيش) إلى البشر في الطبيعة. لكنه اعترف في الآونة الأخيرة بأن الأدلة غير حاسمة ودعا إلى مزيد من التحقيق.

إلا أن رسالة بريد إلكتروني واحدة قد لفتت الانتباه إلى فاوتشي في 18 أبريل 2020، موجهة من رئيس المجموعة البحثية التي تشارك معهد ووهان لعلم الفيروسات، (بيتر داسزاك) وهو عالم في الحيوان ورئيس تحالف الصحة البيئية والذي كان من أكثر المنتقدين لفكرة تسرب المختبر، حيث يقول في رسالته «أردت فقط أن أتقدم بالشكر الشخصي نيابة عن موظفينا ومعاونينا لوقوفك علنا والإشارة إلى أن الأدلة العلمية تدعم الأصل الطبيعي لـ(كوفيد- 19) من انتشار الخفافيش إلى الإنسان، وليس كونه إصدارا مختبريا من معهد ووهان لعلم الفيروسات». كما كان (دانسزاك) جزءا من وفد منظمة الصحة العالمية الذي قضى وقتا في الصين هذا العام للتحقيق في أصول الوباء.

كيف رد على مهاجميه؟

رد فاوتشي على مهاجميه بسبب الرسائل الالكترونية ومن ينتقدونه بأنهم «ينتقدون العلم في الواقع».، وأوضح في مقابلته مع التايمز رده «من الضروري كعالم أن تطور رأيك وتوصياتك بناء على البيانات أثناء تطورها... وهذا هو السبب الذي يجعلني أقول إن الأشخاص الذين ينتقدونني بشأن ذلك ينتقدون العلم في الواقع».

وعند سؤاله عن شعوره عندما أدرك أنه سيتم نشر رسائل البريد الالكتروني الخاصة به، قال فاوتشي «بمجرد أن علمت أنها ستخرج إلى العلن، وكان سيتم فحصها بعناية شديدة من قبل متطرفين يمينيين يحاولون بوضوح تشويه سمعتي، قلت لنفسي بأنه من المحتمل سحب بعض الجمل من رسائل البريد الالكتروني أو إخراجها من سياقها أو أخذ رسالة بريد الكتروني بريئة تماما، واتباعها بشرح وإظهار جانب واحد فقط منها».

ورغم الاتهامات الرسمية التي حملتها أمريكا تجاه الصين، لا يزال فاوتشي مشككا حول الادعاءات التي تتناول نشأة (كوفيد 19) من خلال تسرب من مختبر في ووهان.

فاوتشي.. من يكون؟

د. أنتوني ستيفن فاوتشي

طبيب، عالم مناعة، مسؤول البحوث الطبية الحكومية والمسؤول في وكالة الصحة.

  • عضو في الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم منذ 1991.

  • مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية NIAID.

  • رئيس مختبر تنظيم المناعة.

  • رئيس قسم أمراض المناعة.




المجال:

العلوم الحيوية

التخصص:

العلوم الطبية