أحمد الهلالي

مسلسل رشاش يرفع سقف التوقعات!

الثلاثاء - 13 يوليو 2021

Tue - 13 Jul 2021

في أكتوبر 2017 كتبت مقالة (هل يفتح الأمن العام كنوزه؟) تدعو إلى فتح ملفات القضايا المغلقة التي لا تشوبها شائبة التشهير، للباحثين والروائيين وصناع الدراما، وتنادي أيضا بإنشاء متحف للمقتنيات المتعلقة بأحداث جنائية مختلفة، وسعدت كثيرا حين رأيت مقالتي تتجسد في العمل الدرامي (رشاش) الذي أنتجته مجموعة MBC ويعرض على موقعها الالكتروني شاهد.

سأبدأ من اللغط المائر حول المسلسل، وانطلاق منتقديه من خلفية المقولات التربوية، واعتبار العمل طريقا يقود النشء إلى تقليد شخصية الخارجين عن القانون، وهذا الرأي له وجاهته إذا اعتبرنا الدراما بجميع أشكالها محضنا تربويا، لا يبث إلا المثاليات، لكن رسالة الدراما تتجاوز هذا الطرح المثالي، وتصل بوسائل أخرى لا تشبه الطرح التربوي، ولا الوعظي الذي أثقل الدراما السعودية زمنا طويلا، فتجاوزها المشاهد المحلي إلى الدراما العالمية، وشاهد أعمالا لا تحصى عن أبطال العصابات والسفاحين والخارجين عن القانون منها (إل تشابو/ وإل كابوني/ وبابلو إسكوبار) وغيرها الكثير، فهل منع الدراما المحلية سيوقف الدراما العالمية، وسيوقف المشاهد المحلي عن متابعتها؟ والإجابة طبعا (لا)، إذن فلنراهن على وعي المشاهد، الذي تجاوز المنتجين العرب، وأصبح يقيم أعمالهم ويحاكمها على أسس فنية عليا، استقاها من خبرته بالدراما العالمية.

المشاهد يعي جيدا أن مسلسل (رشاش) لا يهدف إلى تمجيده ولا إلى التشهير به، ووعي المشاهد يدرك أن أفعال رشاش خطيرة ومؤذية ومرعبة، والعمل ليس لسرد سيرة رشاش بل لعرض أفعاله التي أرهبت الآمنين، وكذلك عرض بطولات رجال الأمن السعودي، ومن حق هؤلاء الأبطال أن نباهي ببطولاتهم وذكائهم وتفانيهم في صيانة الأمن، والقبض على المجرمين، وكما هي أسس الدراما في الصراع بين الخير والشر، فقد تقاسم البطولة بطلان (رشاش صورة الشر) تقابله شخصية الضابط فهد (صورة الخير) وإن ظهر جبروت رشاش فقد ظهرت بسالة الضابط فهد وحنكته الأمنية، وقد استطاع إيقاف كل ذلك الجبروت والطغيان والقضاء عليه، فهد الذي رفض عرض أسرته الغنية بالعمل معهم وتبع شغفه بالعمل ضابطا في الأمن، وانشغل إلى أقصى حد بقضية رشاش وجرائمه، والمنتج أبرز شخصيته من خلال الأدوار، وإظهار شخصيته في صورة عرض المسلسل الإشهارية، مرة بتنصيف الوجه بينه وبين رشاش، ومرة بصورته في المقدمة ورشاش في الخلفية.

الدراما من أهم أذرع القوة الناعمة المعاصرة، وما هذا العمل الذي أظهر بسالة قواتنا الأمنية، وقبله (العاصوف) الذي أبرز جسارتهم في مواجهة جماعة جهيمان، إلا البداية الحقيقية لأن تخرج الدراما السعودية من قارورة الدراما الاجتماعية، التي ظلت تكرر نفسها حتى اليوم، وإني لمتفائل جدا بمستقبل واعد، ونقلة نوعية للعمل الدرامي بجميع أنواعه المسرحية والإذاعية والتلفزيونية والسينمائية والرقمية، توازي تطلعات وذائقة المشاهد المحلي، وأقول لأولئك الذين يتساءلون عن أعمال تبرز الشخصيات التي خدمت الوطن (إنسانا ومكانا) خدمة نوعية، بأن الجمال الدرامي للتو بدأ عزفه النوعي بدءا بالعاصوف وليس انتهاء برشاش، وقد شاهدت حلقتين منه، وتلبستني الدهشة بالسيناريو والتصوير وشخصيات العمل المنتقاة بعناية، واهتمام المخرج بأدق تفاصيل الحقبة الزمنية التي يعرض لها العمل، وزاد تفاؤلي بمشاهدة أعمال درامية سعودية تنافس عالميا، وسأحرص على مشاهدة الحلقات المتبقية وآمل أن أستطيع كتابة ما يجول في ذهني عبر بعض المقالات التي تناقش هذا العمل وأعمال درامية أخرى.

وفي الختام فإني أرجو أن يرصد المهتمون بعلم الجريمة السلوك الإجرامي بعد هذا العمل ذي الشهرة الواسعة، خاصة السلوكات التي تحمل ملامحها بعض ملامح شخصية رشاش، مع الانتباه إلى عدم الاعتماد على ما يبث في مواقع التواصل الاجتماعي؛ لأن المعترضين على العمل (وغيرهم ممن تعلمون) سيلصقون به كل حادثة إجرامية.

ahmad_helali@