بندر الزهراني

أعطونا صوفيا وخذوا الكراسي!

السبت - 10 يوليو 2021

Sat - 10 Jul 2021

المفترض في مجالس الأقسام العلمية أنها مجالس نخبوية في أعضائها وموضوعاتها، وأنها مجالس تتمازج فيها الخبرة مع الحماس، طرحا وقرارا، ويفترض أن تكون أرقى المجالس التشاورية والديموقراطية، صورة ومضمونا، ممارسة وتطبيقا، لماذا؟؛ لأن أعضاءها يفترض فيهم الخبرة ونضوج التجربة، وأنهم ابتداء استحقوا عضويتها بالجدارة والكفاءة، ولأن طبيعة الموضوعات الإدارية التي تناقش في المجالس العلمية عادة لا تحتمل الفوضى في النقاش أو تعالي الأصوات، ولا تستدعي الجدل الحاد والخلافات العميقة، ولذلك كان يفترض أن تجسد المجالس العلمية في الواقع الأكاديمي ملمحا ديموقراطيا حرا لا وصاية لأحد عليه.

إلا أن ما يحدث في بعض المجالس العلمية للكليات والأقسام بالجامعات المحلية عكس كل ما قيل من المفترضات! ولا علاقة له بالرقي الأكاديمي، لا من قريب ولا من بعيد، ولا حتى له علاقة بأبسط أساليب الحوار أو الأخذ والرد المنطقي، بل إن القصص والحكايا التي تخرج من هنا أو من هناك، عن هذا المجلس أو ذاك، يندى لها جبين الديموقراطية الأكاديمية، خاصة إذا ما ظهرت وانتشرت بين العوام وصارت أحاديث على وسائل التواصل الاجتماعي تتسلى بها الركبان!

في أحد الأيام قابلت في ممرات الكلية واحدا من أولئك الباحثين الوهميين، ممن ينشر في اليوم الواحد بحثا على الأقل، سلمت عليه سلام المسلم للمسلم، فلم يرد، متظاهرا أنه لم يعرفني، فأخبرته بتواضع جم أنني فلان ابن فلان، قال: ما أعرفك! قلت له: لا بأس قد عرفتني الآن، ثم تركته، ومضيت إلى مكتبي وأنا أحدث نفسي وأقول: لعله قرأ مقالاتي التي تكشف خواء عقله وعقل من يشجعه ويدعمه! ثم علمت لاحقا أنه للتو كان خارجا من عراك شبّ في مجلس القسم لولا رحمة الله لاحترقوا بسببه جميعا.

وقبل يومين بعث إلينا رئيس القسم استفسارا مبهما في حروفه، جاءنا من عميد الكلية، يتساءل فيه عن سر إحجام بعض الزملاء عن حضور جلسات مجلس القسم، فرددت عليه مستفهما وشبه مازح بقولي: إن كان استفسار العميد من باب (وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر) فهذا من حسن ظنه وحرصه واهتمامه، وإن كان استفساره من باب (وتفقد الطير) فليبعث إلينا بكتاب مفصل ثم ينظر بم يرجع المرسلون!

يبدو أننا في الجامعات، خاصة فيما يتعلق بالإدارة الأكاديمية، بحاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى لتطبيق مخرجات الذكاء الاصطناعي تطبيقا ينعكس أثره علينا في البيئات الأكاديمية قبل غيرنا، ولعل أهم مخرجات التقنية لهذا الذكاء؛ الإنسان الآلي أو ما يسمى (الروبوتات) واستخدامها بشكل مباشر في القيام بالمهام الإدارية كبديل ممكن لما يقوم به الإنسان!

بعض مديري الإدارات يعملون كما لو كانوا روبوتات لمصمم واحد، ليس لهم من الأمر إلا تنفيذه، والفرق بينهم وبين الروبوتات الحقيقية أن الروبوتات لها قيمة معنوية في حين لا قيمة ولا معنى لهم، واستبدالهم بالروبوتات ليس صنفا من صنوف الترف أو ضربا من ضروب الجنون أو قصة خرافية من إبداعات الخيال، لا أبدا، بل استخدام أمثل للذكاء الاصطناعي وترشيد في الإنفاق، وما ضجيج الناس بما رأوه وسمعوه عن الروبوت (صوفيا) إلا نتاج الحاجة والإبداع.

يقال إن صوفيا تأقلمت مع السلوك البشري بفعل الخوارزميات، تأقلما جعلها تحتفظ بهدوء أعصابها وتنضبط بأخلاق رفيعة وصفات جمة، قلما نجدها كلها مجتمعة في إداري واحد، وما دامت صوفيا تحمل الجنسية السعودية فما علينا إلا أن نحوكمها بأنظمة التعليم الجامعي ولوائحه، ثم نعينها رئيسة للجامعة وعميدة للكلية ورئيسة للقسم في آن واحد، وحينئذ لا نلام إن قلنا بصوت عال: إذا الأقوال من صوفي توالت فصدقوها فإن القول ما قالته صوفي!

drbmaz@