زيد الفضيل

إدارة للثقافة في موسم الحج

السبت - 10 يوليو 2021

Sat - 10 Jul 2021

مع انتهاء كل موسم حج أسأل نفسي: كم أديبا أو ناقدا أو مؤرخا أو عالما في فنه، ناهيك عن الفنانين التشكيليين والمصورين الفوتوغرافيين، علاوة على كتاب القصة والرواية، ومبدعي الشعر والمقالة، إلى غيرهم في مختلف الفنون والعلوم، قدموا لأداء فريضة الحج في هذه السنة وكل عام؟ حتما هناك الكثير، لكننا على النطاق الثقافي في المملكة لا نعلم عنهم أي شيء، لكونهم قد أتوا بشكل شخصي.

والسؤال: أليس من آلية تمكننا من الاستفادة من موسم الحج الدوري ثقافيا ومعرفيا، تحقيقا لقوله تعالى (ليشهدوا منافع لهم)؟

في قناعتي فإن ذلك ليس صعبا كما يتصوره المرء للوهلة الأولى، لكنه يحتاج إلى وضوح رؤية ودقة عمل، وتهيئة مكان للالتقاء بعد ذلك، والأهم الاستفادة من خدمات الشبكة العنكبوتية بشكل دقيق، وقبل ذلك ضرورة تأسيس إدارة مستقلة متعلقة بالشأن الثقافي في موسم الحج، يقوم على عاتقها إيجاد آلية لتوثيق قدوم كل المثقفين في مختلف الفنون خلال الموسم، كإرفاق استمارة متخصصة مرفقة باستمارات بعثات الحج مثلا.

لقد كان الحج خلال مختلف القرون وصولا إلى منتصف القرن العشرين الميلادي، نقطة التواصل الرئيسة بين علماء المشرق والمغرب، ومكان عقد كثير من اللقاءات العلمية بين عديد من الدارسين، الذين وجدوا في الموسم فرصة لتبادل الإجازات ونقل المعرفة بين بعضهم البعض، ليعود أحدهم إلى أهله وقد امتلأ خراجه معرفة وعلما نافعا، وليصبح الحرم جامعا وجامعة في آن، وتصبح مكتبته من أغنى المكتبات العلمية ثراء بالنفيس من المخطوطات والمعرفة، ذلك أن كل عالم قد حرص أن يتبارك بإهداء نسخة من كتابه لمكتبة الحرم المكي الشريف، ناهيك عن استئناس بعضهم بكتابة مقدمة كتابه أو خاتمته في رحاب الكعبة المشرفة. على أني أتساءل أيضا: هل لا يزال هذا الطقس قائما إلى اليوم؟ أم أنه في غمرة السرعة والتسارع قد تلاشى مظهره، وبات غائبا عن مشهدنا الثقافي؟

واقع الحال فقد ظل ذلك الأمر هاجسي منذ زمن ليس بالقريب، وكتبت فيه وتحدثت عبر القناة الثقافية سابقا وغيرها عدة مرات، وأدركت أننا كمجتمع ثقافي نهدر فرصة ثمينة للتلامس مع كثير من المثقفين في مختلف الفنون خلال موسم الحج المبارك، ممن قدموا لأداء فريضة الحج بشكل شخصي، بعيدا عن الدعوات التي تتبناها بعض المؤسسات الرسمية كوزارة الحج ووزارة الثقافة والإعلام ورابطة العالم الإسلامي وغيرها.

كم هو رجائي كمثقف وباحث أن يتحقق المراد، ونشهد في قابل المواسم تفعيلا عمليا لذلك، فهل إلى ذلك سبيل؟ سؤال أضعه بين يدي سمو وزير الثقافة بأمل أن يتم التخطيط لذلك في قابل المواسم، ولا سيما أننا نملك القدرة حاليا على قيادة المشهد الثقافي والرسو به في مكانه العالمي وفقا لرؤية ولي العهد التي أعلنها في عديد من المرات ومفادها أن الشرق الأوسط والعالم العربي على وجه الخصوص وبقيادة سعودية سيكون مختلفا في ثنايا القرن المعاش.

أخيرا الحج ليس قاصرا على العبادة الدينية وحسب، بل هو طقس تمارس فيه كل احتياجات الناس من بيع وشراء لتحقيق قانون ليشهدوا منافع لهم، وعليه أرجو أن تتنامى الرؤية الثقافية بصورتها المعنوية والاقتصادية والبرامجية خلال موسم الحج، فما أجمل أن تشهد مكة ومحيطها كمدينة جدة والمدينة المنورة مؤتمرات تخصصية متنوعة خلال موسم الحج الذي يمتد طوال شهر ذي الحجة وليس في جزء منه، كما سيكون رائعا لو تم تنظيم عديد من المعارض الفنية المرتبطة بالنسك وترك الباب مفتوحا لمشاركة كل الفنانين القادمين للحج، ناهيك عن أفكار عديدة يمكن وضعها على الطاولة لو وجد المقترح قبولا ودعما.

zash113@