حسن علي العمري

سفهاؤنا الجدد كلاكيت ثالث مرة

الأربعاء - 07 يوليو 2021

Wed - 07 Jul 2021

عبارة دارجة تقول (في الماضي كان لا أحد يعرف الخبل غير أهله، أما اليوم فصار الجميع يعرفونه).

المتأمل في وطني بموضوعية يجده يعج بالقدوات والأفذاذ وأصحاب المؤهلات والشهادات والعقول والرأي وذوي المهام المشرفة، وكل منهم تبوأ موقعه الذي يمارس فيه أدواره الوطنية أو الخاصة بصدق واجتهاد مغلف بالصمت دون أن يسعى للإثارة أو طلب البروز أو السعي لمكاسب خاصة بطريق لا يليق.

في المقابل انثال علينا فئة من نسيجنا البيئي عبر وسائل التواصل الاجتماعي ينثرون سفههم في كل أرجاء الأرض بعد أن ضاق بهم مجتمعهم ذرعا في الداخل؛ فلم يكتفوا بتقديم صورتنا الذهنية غاية في السوء والتسطيح بسلوكياتهم وممارساتهم في الداخل بل خرجوا هذا الصيف لمختلف الدول لاستكمال مشروع التشويه العظيم الذي ساروا فيه منذ عهد تخرج بعضهم من القناة الفانية التي كانت موطن تجمعهم وتبنيهم وتقديمهم للمجتمع على أنهم من المشاهير منتهجين العبث الممنهج بمسلمات وقيم مجتمعهم الدينية والأخلاقية والسلوكية ورسم صورة مسيئة للدولة وأفرادها في الخارج، وليس أقل ما شاهدنا مؤخرا دعاياتهم الجنسية المقيتة لتلك الدول التي استقبلتهم ولفنادقها والأماكن التي ارتادوها وما خفي قد يكون أكبر، وهو ما يعني بجلاء أن الأمر في حقيقته ليس تصرفات فردية منهم ولمرة واحدة، بل هو نهج متكرر مرسوم وهناك من يخطط له ويدعمه لوجستيا لمصلحة ذاتية يسعى لتحقيقها على حساب الوطن وقيمه الأخلاقية.

الأثر المدمر الذي تتركه هذه التصرفات العبثية من كل سفيه مستهتر ممن قل به العلم وقصرت به المعرفة وزاد به سوء السلوك قولا وعملا في تنافس محموم لتقديم هذه المحتويات المعيبة وتوثيقها للتاريخ، هو في حقيقته مصدر حرج للدولة ولسمعتها ولمجتمعها في الخارج حاضرا ومستقبلا، لاسيما وهم من ذوي التعليم المتدني وحدثاء نعمة جرت بين أيديهم بطرق غير واضحة المصادر، واستخدموا معها عقولا خاوية موضوعة لديهم في غير مكانها الصحيح فنتج عنها سلوك منتكس وفطرة ملوثة بما ساء من العبارات والإيحاءات وعرضها بسذاجة للعلن دون خجل أو حياء أو تردد، كما أن الكثير من التصرفات التي عرضت للناس فيها مخالفات وأفعال مجرمة بالجملة وتعد على خصوصيات الآخرين وانتهاك لقوانين الدول المستضيفة.

سنظل كأفراد في هذا المجتمع نتحمل جزءا من المسؤولية بلا شك كوننا من نفخ البالون الفارغ وقدم له المال الوفير والدعم والتقديم والتصنيف على أنه من البارزين المشاهير ليصبح في مكانة لم يكن يحلم به أفضل الناس عقلا وعلما، ولا يمكننا تجاوز وسائل الإعلام المرئية التي قدمت بعضهم في برامجها ومارسوا تلك السقطات التي تستفز كل محترم رشيد عبر برامجها المباشرة وعلى رؤوس الأشهاد، وصمت بعض الجهات العدلية ــ المعنية بحفظ النظام العام ــ عن مثل هذه التصرفات المخلة بالآداب العامة؛ فظن الحمقى منهم أن هذا السفه الذي يقدمه للعالم صوتا وصورة هو مصدر تميزه وإعجاب الناس به؛ فسار به راكضا لا يتوقف وتضخمت السقطات لديه ككرة الثلج المتدحرجة التي لا تلبث أن تزداد حجما مع الوقت، ولم أكن شخصيا أستغرب منهم طيلة السنين الفارطة هذا الأمر لقناعتي بما لديهم وبارتباطهم الفكري وبتوجهاتهم منذ زمن بداياتهم وما تبع ذلك من ظهور البعض الآخر لاحقا على وسائل التواصل، مع يقيني التام بانعدام القيم لدي غالبيتهم فضلا عن استشعار الحس الوطني ومتطلباته.

حديث المجتمع الذي تناهى لسمعي يقول إن أهم سبب لهذا الاستمراء المتواصل - الذي يظهر لنا بين الفينة والأخرى - أننا لم نر أو نسمع عن معاقبتهم على أفعالهم وتطاولاتهم وإساءاتهم السابقة وتفاهاتهم، وأنه لو تم معاقبة المسيء منهم وأغلق حسابه وتم التحقيق معه عن مصادر أمواله ومصادرتها لمن كان قد حصل عليها بطريق الإثراء غير المشروع لما وصلوا لهذه الدرجة من السقوط، لعلمنا يقينا أن فقير الأخلاق لن ينتج منه سلوك جيد أو صالح سواء كان في بلده أو خارجه، بل إن فقره سيتجلى هناك لظنه أنه بعيد عن المحاسبة والعقوبة، فالقانون وحده كفيل بتربية وتعديل سلوكيات من يخرج عن حدود الذوق العام المفترض، ولذا فإن تحريك الدعوى العامة من النيابة العامة ضد كل مسيء أصبح مطلبا ملحا وكذلك أن تتحرك بقية الوزارات المعنية كوزارتي التجارة والإعلام للقيام بأدوارها كل في حدود اختصاصه، وكذلك فمن واجب السلطة التشريعية التحرك لتعديل القرار ذي الرقم 104 الصادر بتاريخ 5/5/1404هـ المتعلق بمعاقبة كل من يسيء إلى سمعة المملكة في الخارج بإقرار التنظيم المناسب والقواعد الآمرة بما يتناسب ومقتضى الحال الذي يكفل القضاء على مثل هذه التصرفات التي تحولت لظاهرة تشوه بصري وسمعي وسلوكي يتفق الجميع على نبذها وقد وصلت إلى أوساط البيوتات وبان عوارها؛ فلدينا جيل قادم سيتربى معتادا على قدوات سيئة تقدم له مثل تلك السقطات لو لم يتم الحد منها وتحجيم خطرها وضررها، والأهم أن من أمن العقوبة أساء الأدب ووجب تأديبه برسم القانون مع أهمية العلاج النفسي والفكري المصاحب للتقويم العقابي لهذه الفئات.

hass_qr@