حامد بن سليمان العيسى

ملامح نظام التبرع بالأعضاء البشرية

الأربعاء - 07 يوليو 2021

Wed - 07 Jul 2021

يعتبر العطاء والكرم من السمات الثقافية السائدة لدى السعوديين، ولا يقتصر ذلك على الأموال، بل حتى في الأقوال الشعبية الدارجة يقال: «تفداك عيوني»، وهذا مشهود بلغة الأرقام، فبحسب إحصائية السجل العالمي للتبرع بالأعضاء وزراعتها (IRODaT) لعام 2019 تعتبر المملكة الثالثة عالميا للمتبرعين الأحياء، وهذا دليل على عطاء أبناء هذا البلد الحقيقي وتحقيق مقاصد ثقافته السامية.

لا شك أن التبرع أيا كان صفة النبلاء وديدن الكرماء، وعمل إنساني جليل وثواب من رب كريم، وصناعة أمل ومساهمة في حيوات بشر، وعند النظر في إحصائيات وأرقام التبرع بالأعضاء نجد أثر ذلك بوضوح، ففي إحصائية أعلن عنها المركز السعودي لزراعة الأعضاء – بموقعه الالكتروني - يمكن للمتبرع الواحد فقط أن ينقذ أو يحسن حياة حوالي 50 شخصا! ومع ذلك كان لزاما من تنظيم هذا التصرف النبيل لتحقيق مقاصده وثوابه بحفظ حقوق المتبرعين والمتبرع لهم؛ وعليه يبقى السؤال ما هو نظام التبرع بالأعضاء؟ وما حقوق والتزامات المتبِرع والمتَبرّع له؟ وما هي ضوابط التبرع؟ وما هي الجهة الإدارية المختصة بتطبيق أحكام النظام؟

في مطلع أبريل الماضي، صدر المرسوم الملكي رقم م/70 وتاريخ 19/08/1442هـ بالموافقة على نظام التبرع بالأعضاء البشرية. ويعتبر هذا النظام الأول من نوعه بشأن تنظيم حقوق المتبرع والمتبرع له وآلية ذلك من الناحية النظامية. ويعد أحد مكتسبات رؤية المملكة 2030 والمتعلق بالمحور الأول (مجتمع حيوي) وبنيانه متين في تعزيز الكفاءة الصحية ومستهدف عام 2030 بزيادة متوسط العمر من 74 إلى 80، وكذلك المحور الثالث (وطن طموح) بتعزيز المسؤولية الاجتماعية ومن ذلك رفع نسبة التبرعات على النحو السليم.

لم يتوقف الأمر عند إصدار مستهدفات وتشريعات، بل وعززت القيادة - ذاتها - هذه المستهدفات والتشريعات، ففي مايو الماضي قام خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين -حفظهما الله- بالتسجيل في برنامج التبرع بالأعضاء التابع للمركز السعودي لزراعة الأعضاء.

تجدر الإشارة إلى أن المركز السعودي لزراعة الأعضاء هو الجهة المنوطة بإدارة هذا النشاط ومن ذلك: إعداد اللائحة التنفيذية للنظام، والترخيص بمنح المنشآت الصحية الإذن بمزاولة العمليات، وإعداد النماذج المتعلقة بالتبرع، وإعداد قوائم انتظار لزراعة الأعضاء وتوثيق كل من ذلك، وتقرير مدى صلاحية العضو المتبرع به، وكذلك متابعة حالات المتبرعين الطبية مدى حياتهم، ومدى كفاية تقديم الخدمة لهم في المنشآت الصحية. وبعبارة أخرى يعتبر المركز هو الجهة الحكومية التي تشرف وتدير نشاط التبرع بالأعضاء البشرية.

ومن الناحية الشرعية فأجاز النظام التبرع أخذا بالفتاوى الشرعية ومنها قرار هيئة كبار العلماء رقم 99 لعام 1402هـ بجواز نقل عضو أو جزئه من إنسان حي مسلم أو ذمي إلى نفسه إذا دعت الحاجة إليه وأمن الخطر في نزعه وغلب على الظن نجاح زرعه؛ فقد نصت المادة 2 من النظام صراحة أن ذلك الجواز بما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية.

وأعتقد أن هذا النص جاء لرفع الحرج واستصحابا للمصلحة ولم ينص النظام على ما تضمنته الفتاوى بشكل صريح لأن المسألة خِلافية ومتغيرة بتطور العلم والحاجة والتقنية. وبالرجوع لنصوص النظام يظهر أن كثيرا من أحكامه راعت أحكام الشريعة بشكل ملفت، بل وراعت الكليات الخمس - كما يسميها الأصوليون - ومنها حفظ النفس والنسل، ومن ذلك: مراعاة مصلحة المتبرع وعدم زجه للتهلكة؛ إذ يلزم قبل إجراء عملية نقل الأعضاء أن تجرى فحوصات طبية ونفسية واجتماعية للتأكد من جاهزية المتبرع. بل إذا كان العضو لازما لحياة المتبرع أو أن التبرع يفضي لموته أو تعطل منفعة عضو كامل أو حتى لو كان التبرع يؤدي إلى منعه من أدائه شؤون حياته المعتادة فيحظر التبرع.

وبما أن الشريعة تحفظ النسل - وهي من الكليات الخمس - فقد حظر النظام في المادة 8.5 التبرع بالعضو إذا كان من الأعضاء المنتجة للخلايا التناسلية الناقلة للصفات الوراثية. وعلى كل حال مراعاة أحكام الشريعة من المسلمات في المملكة؛ إذ إن المخالفة الشرعية تعني بطلان النص المخالف وعدم مشروعيته النظامية كما نصت على ذلك المادتين 1 و7 من النظام الأساسي للحكم.

وانطلاقا من قوله تعالى «ولقد كرمنا بني آدم» فقد أكدت المادة 10 على مراعاة كرامة المتبرع وحمايته من الامتهان أو التشويه. ومن الرائع أن النظام جمع مع أفضل الممارسات الدولية في سرية المعلومات وخصوصية الأشخاص إذ نصت المادة سالفة الذكر بعدم جواز إفشاء أي معلومات تتعلق بجسم المتبرع - حيا أو ميتا - إلا في الأحوال المقررة نظاما أو عند صدور أمر قضائي بذلك.

أما عمن يملك الموافقة على التبرع بالأعضاء، فيجوز للشخص أن يتبرع بأي عضو من أعضائه وكذلك أن يوصي بالتبرع ببعض أو كل أعضائه بعد مماته ويلزم أن تكون موافقته أو وصيته مكتوبة وموثقة على نحو ما ستحدده اللائحة. وكذلك يجوز التبرع بأعضاء المتوفي بعد وفاته ودون موافقته ويكون ذلك بالترتيب الآتي: موافقة أقرب وريث، فإن تعذر التعرف على الورثة فيكون لأقرب الأقارب، وإن تعدد الأقارب وكانت مرتبتهم واحدة فيكون بالحصول على موافقة الأغلبية منهم. ولم يحدد النظام معيار قرب القرابة، ولم يراعِ مسألة تعدد أقرب الورثة، فقد يوجد أكثر من وريث متساوين بالقرابة فهل يكتفى بأحدهم، أم يلزم إجماعهم؟ أم غالبيتهم؟.

وفي جميع الأحوال لا يجوز التبرع بأعضاء الحي غير كامل الأهلية وسنه دون الثامنة عشرة، ولا يعتد بموافقة وليه أو غيره. ومراعاة لاختلاف رغبات البشر، لا يجوز التبرع بأعضاء المتوفي حين وصيته بعدم التبرع. وعلى كل حال يجوز التراجع عن الموافقة بالتبرع ممن صدرت منه دون أي قيد أو شرط.

وبما أن مقتضى النظام (التبرع) بالأعضاء البشرية؛ فقد جرم النظام - بشكل صريح - وعاقب بغرامة تصل لمليون ريال الحصول أو تقديم أي مقابل - وبأي شكل من الأشكال - للتبرع بالأعضاء سواء أكان للمتبرع أو المتبرع له أو الورثة والأقارب أو الوسيط، وكذلك المنشآت الصحية، ولا يمنع ذلك من حصولها على مقابل مالي للتكاليف أو الخدمات عند إجراء العمليات.

وفضلا عما ذكر أعلاه، نص النظام على العديد من الضمانات للمتبرع؛ ومنها أن يحاط - تحت إشراف المركز - بجميع النتائج المؤكدة والمحتملة المترتبة على إجراء العمليات، ومتابعة حالته الطبية مدى الحياة، وللمركز تقديم جميع الاحتياجات الطبية اللازمة له. إضافة إلى ذلك وبعد إجراء عملية التبرع يمنح المتبرعون مميزات منها مادية أو عينية أو صرف مكافآت تشجيعية وكذلك منح أولوية في مجال العمل والتوظيف أو تقديم منح دراسية، وتسري هذه المميزات لورثة المتبرع المتوفى عند موافقتهم على التبرع، وسيتم تحديد ضوابط واشتراطات هذه الميزات بدليل يَصدر بقرار من مجلس الوزراء.

ختاما، وبعد صدور النظام وإعلان قادة البلاد – حفظهم الله – تبرعهم بأعضائهم شهد المركز ارتفاع عدد المسجلين للتبرع بالأعضاء إلى أكثر من 1000 ضعف، كما صرح بذلك مدير المركز في لقائه مع قناة العربية، وتجاوز العدد 194 ألف متبرع في شهر يونيو فقط! ومن المتوقع أن يزداد عدد المتبرعين بعدما دخل النظام اليوم 2021/07/08 حيز النفاذ، وتزامنا مع التاريخ اللازم فيه إصدار اللائحة التنفيذية للنظام بقرار من وزير الصحة رئيس المجلس الصحي السعودي.

AleisaHamed@