ياسر عمر سندي

ما عاش من يزعلك

الأربعاء - 07 يوليو 2021

Wed - 07 Jul 2021

إلى الموظفين والمتقاعدين في كافة المراحل العمرية في المنظمات والشركات بطابعها العام والخاص.

أتحدث من واقع التجربة وأنا أكاد أتقمص الشعور التقاعدي لقادم أيامي والاستعداد للخروج النظامي من المنشأة التي أعمل بها وقبل أن أسلم عباءة الوظيفة التي أشغلها يبدو وكأنني استشرفت هذه المرحلة الإمبراطورية من حياتي التي سأمضي خلالها بإذن الله فله الحمد من قبل ومن بعد.

لست متشائما بطبعي وأتبنى نظرية الوعي الذاتي والمجتمعي لتسيير أموري الخاصة والعامة نحو ذاتي وتجاه الآخرين على قدر كبير من الانسيابية والرضا والتقبل خصوصا مع دائرة العمل هذه المحطة المؤثرة بمعاش الموظف وأسرته وحجر

الزاوية الذي يستند إليه ليستقيم واقعه الاجتماعي والاقتصادي كونه مصدر دخله الشهري.

منذ تعييني استشعرت فلسفة الإدراك الواعي بالمعنى الحقيقي للوظيفة والمنظمة بالفهم المتعمق بهما من حيث الجانب النفسي والاجتماعي والاقتصادي والقانوني ربما لأنني أحد أعضاء الموارد البشرية والتدريب كقطاع يهتم بتخطيط شؤون الموظفين وتنميته قررت آنذاك أن الوظيفة التي أشغلها هي حلم العمر بما يتناسب مع مؤهلاتي ومهاراتي وسأبذل جهدي بعد توفيق الله للمضي قدما للمواءمة مع بنود الوصف الوظيفي من حيث المسمى والراتب والمزايا والبدلات واقتنعت بها وتقبلت.

أيقنت حينها أن التطوير الذاتي بزيادة العلم والمعرفة ما هو إلا شأن خاص بي وفي نطاقي الشخصي لرسم المسار الصحيح لمستقبلي المهني بإشباع الجانب المعنوي والنفسي وفي ذات الأمر أدركت أن الوظيفة وما يحيط بها هي شأن عام لا أملكه كالمكتب والأجهزة المساعدة والهيكل التنظيمي وزملاء العمل والرؤساء والإجراءات والقوانين الخاصة بالشركة والأنظمة العمالية، وهي أيضا ليست في نطاق تصرفي ويجب أن أعي لها وأعمل معها ونظرت للوظيفة باحترام وللمنظمة بالتزام لأنهما وسيلتي المساعدة لسد احتياجاتي وحاجاتي المادية والمعنوية للوصول لغاياتي المستقبلية باتباع تشريعات ثابتة ومتغيرة لتقنين حياتي المهنية وعلاقتي التنظيمية بالوظيفة والمنشأة.

من وجهة نظري النفسية والمعرفية بأن الشأن الخاص والعام يرفعان من حالة الوعي الوظيفي والتعافي الانسحابي في الحياة التعاقدية والتقاعدية أي أثناء أداء العمل وبعد الخروج منه.

من خبرتي الوظيفية أن مجمل ما يحدث للموظفين والمتقاعدين من نوبات اضطراب وحالات عدم اتزان مثل الاعتراض الدائم والمتكرر على أنظمة العمل والقرارات وأساليب تأدية الأعمال وحالات رفض التغيير المفاجئ والمرحلي والشكاوى هي بسبب انعدام اليقين بأن دوام الحال من المحال وبأن التغيير حالة صحية للكائن البشري وحالات الإنكار للواقع المهني لكل موقف وأساليب الدفاع النفسي المبطنة التي تنعكس إسقاطيا على السلوك هي من آثار تبني نظرية المؤامرة وعدم الفهم المسبق لنظرية التغير الحتمي.

أرى أن على جميع الموظفين والمتقاعدين ومن في حكمهم ممن انتهت علاقتهم المهنية استدراك واقع الثقافة التنظيمية لما لهم وما عليهم من حقوق وواجبات، وكذلك استيعاب حالة النضج الإدراكي والمعرفي التنظيمي باستشراف المستقبل التقاعدي وتهيئة الظروف المواتية لاستقبال الأحداث بحلوها ومرها، والإيمان بأن النواحي القدرية بيد الله جل وعلا والتركيز على النواحي التقديرية، وهي التخطيط المدروس اقتصاديا واجتماعيا، لأن التغيير الآني والمستقبلي يستدرك ويعالج عنصر المفاجأة وكذلك اليقين بأن ما يتم صياغته على مستوى القرارات العليا هي للمصلحة العامة ولما يستجد من طارئ.

النظام لا يحمي الموظف الغافل، وأول عتبات ذلك الجهل التنظيمي هو الشعور بملكية الوظيفة وديمومتها وحقها المكتسب وإغفال الحقيقة بأن للوظيفة دورة حياتية تبدأ وتنتهي وتحتاج إلى وعي وإدراك بأنه يوم لك ويوم عليك ولا تزعل نفسك وما عاش من يزعلك.

@Yos123Omar