أحمد الهلالي

عقوبة غلاء الأسعار!

الثلاثاء - 06 يوليو 2021

Tue - 06 Jul 2021

في المجلس الواسع كان للحديث تعرجاته المختلفة، وكان غلاء الأسعار هو الدوامة الأقوى في المجلس التي تشرئب لها أعناق الجالسين؛ فمن الحديث عن أسعار الوقود إلى أسعار الأعلاف والمواشي إلى مسارعة بعض الشركات الكبرى في رفع أسعار الألبان، وكانت تحليلات بعض الحاضرين تفتح كوة أمل في المستقبل القريب، وبعضها تسد الأفق، وبعضها تطبطب على الروح أننا ما نزال أفضل من غيرنا، وبعضها تذر ملحا على الجروح بمقارنات شوكية مؤذية.

فاجأنا مضيفنا بـ(الدجاج المشوي على الجمر)، و(رقع) الموقف أنه وجد مزرعة تبيع الدجاج الحي الطازج، ما جعل أبا حفص يعود إلى الحديث عن الغلاء ويتأول أنه عقوبة أنزلها الله علينا؛ فالغلاء من جنود الله، وقد حل علينا بسبب معاصينا وبعدنا عن الحق، وقد أطال الحديث في هذه النقطة، حتى بدا تأثيرها على ملامح الشاب السبعيني مصلح؛ فأصبح من فرط انفعاله يغمض لا إراديا عينا واحدة، ويتحرك في مكانه وكأنه يجلس على (مجحام)؛ فانشغلت عن حديث أبي حفص بحركات مصلح.

لم يصبر مصلح حتى قاطع الرجل قائلا: «يا سيدي، هذه الأسطوانة طرقت آذاننا كثيرا، ورددها قبلك كثيرون منذ 40 عاما، فابحث عن سبب آخر، وحجة أخرى «فثار أبو حفص معنفا مصلح: «من قلة أدبك أن تقاطعني قبل أن أختم حديثي، وتهاجمني بهذه اللغة الوقحة التي أعلم ما ترمي إليه من ورائها، واعلم أيها المأفون أن هذه بداية السخط عليكم، وستتوالى النكبات، في أموالكم وزوجاتكم وبناتكم، بما صنعت أيديكم» فضحك مصلح ضحكة مجلجلة وقال: «اظهر وبان، هذه مقولاتك أم مقولات اللي بالي بالك؟ يبدو أنك أدمنت على قراءة مقولاتهم!» فتمعر وجه أبي حفص وقام من مجلسه وقد انتفخت أوداجه، فثناه المضيف وجلس، وحوقل واستعاذ» فقال مصلح:

أخي الكريم، أعتذر منك، إن كنت متأثرا بمقولات أولئك الأوباش ضد الوطن فلا عذر لك، أما إن كانت تحليلاتك تعتمد على ما اختزنته ذاكرتك من الحقبة المنقشعة فسألتمس لك العذر شرط أن تراجع ذاتك وقناعاتك وأحكامك؛ فلسنا كما تتخيل مطلقا؛ فالغناء والمرح شعور إنساني بالحياة، وترويح عن النفوس لم يحرم منه أصحاب النبي الكريم؛ فتخيل أن تتغنى سيرين أخت مارية القبطية في منزل حسان بن ثابت مع جمع من الصحابة رضوان الله عليهم، ويمر بجوارهم النبي الكريم ولا ينكر عليهم ذلك! أما ما ترمي إليه في حق بناتنا وزوجاتنا؛ فقد قال النبي ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم، ومن كرامتهن ألا نستعبدهن ونجور عليهن، وإن فعلنا ذلك معتدين فلهن حق أن طلب العدل والقسط والأمان وحسن المعاملة، وقد وفرت الدولة القوانين التي تحميهن من الظلمة الجائرين.

يا أبا حفص، لم يصل بنا الغلاء إلى الدرجة التي تجعلنا نتأول العقوبة، ولم ينفلت المجتمع وتسود الفاحشة وتتفكك الأسر بسبب التشريعات والقوانين التنظيمية الحديثة، وإن حدثت حالات فردية فهذا أمر طبيعي في كل مجتمع بشري؛ فحاول أن تجد مشاجب تعلق عليها الغلاء وغيره من الظواهر، دون أن تتألى على الله وتتأول ما ليس لك به علم ولا دليل ولا كتاب منير. ساد الصمت، وارتعد أبو حفص رعدة شديدة، ثم سقط عن الكنبة؛ فقفز مصلح وأخرج قلم الأنسولين من جيبه ثم (شكعه) بإبرته، فتحدر العرق من رقبته وصدره، وأفاق باسما، وقبل جبين مصلح!

ahmad_helali@