دلال العريفي

إدارة الضوضاء

الاحد - 04 يوليو 2021

Sun - 04 Jul 2021

تم تكليفي قبل مدة ضمن لجنة لإنهاء قضية لم تكن تستحق - من وجهة نظري - أن تكلف لجنة خاصة لها. فما فهمته لا يستدعي أبدا أن يكون هناك خلاف ولا اختلاف، فالمسألة أبسط من أن يتم تأجيل وتعطيل أعمال وأفراد لعلاجها.

على الطاولة المستديرة ثبتت لي صحة اعتقاداتي، فلم يكن هناك ما يدعو لذلك كله. حضر طرفا القضية وزميلتي باللجنة وأنا. كانت المسألة بسيطة جدا لكن اليأس والضيق الظاهر على زميلتي وطرفي الخلاف لم يكن بسيطا. كان الحوار هادئا راقيا منطقيا، وأجواء الحديث كانت واضحة وصافية، لكن (الخواطر) لم تكن كذلك. كان من الواضح جدا أن أطراف الخلاف قد خاضوا مرحلة مضطربة من الجدالات العقيمة، والأحاديث المتوترة التي أوغرت عميقا في النفوس، فاستحال الحل، وحل محله التمنع والرفض لأي وجهة نظر يطرحها طرف على آخر. اعتمدت كثيرا على علاقاتي الطيبة معهم، ومعرفتي السابقة بهم، وختمت بأغرب إجراء عملته في حياتي المهنية ولم أندم عليه حتى اللحظة. ما يهم كان أن تنتهي المسألة ولا تمتد، وفعلا انتهت بسلام على الورق، وطويت الصفحة.

كثير ما يتبين لنا أن عددا كبيرا من الخلافات والنزاعات التي تحدث لنا في الحياة عموما وفي بيئة العمل منشؤها (كلمات ليست كالكلمات)، كلمات يهجم بها شخص على آخر، فيرد هذا الآخر بمثلها أو أكبر منها. ثم تزداد الكلمات ضخامة وسوءا حين يشترك فيها الآخرون! ندرك أن البداية كانت مجرد (كلام في كلام)، لكن الأثر المؤذي الحاصل بسببه لم يعد محصورا في أحرف، ولم يبق محبوسا داخل صدور أصحابه، بل يمتد ليعطل الناس والأعمال، ويظهر أقبح الممارسات الإدارية ويفضح أسوأ المشاعر الاجتماعية. وهنا لابد من لحظة توقف وتأمل وفهم وإدارة.

ما نحتاجه لمواجهة مثل هذه الأمور أن نكون واعين بخطورة الكلمة، مدركين للفوضى التي تحدثها كل مرة، للضجيج الذي يجذب مزيدا من المتطوعين كل حين! نحتاج أن نكون قادرين على إدارة الضوضاء الكلامية والمشاعرية، ورصد مصادرها وفهم أسبابها، لنحكم السيطرة على كمية المواقف السلبية التي تحدث كنتيجة حتمية لها.

وإدارة هذه الضوضاء لا يقصد بها تكميم الأفواه، أو منع الاختلاف، فالاختلاف سنة من سنن الحياة، لكن للاختلاف أدبه، فنحن نختلف لكننا لا نتخالف، نتحاور ولا نتراشق الشتم أو التهم، نتقارب في وجهات النظر والأحاديث لكن لا يقبل أن نقترب من المساحات الخاصة لمن يخالفنا الرأي أو نسمح بانتهاك خصوصية أحد، والتعدي والتمادي في ذلك!

لإدارة الضوضاء يجب أن ندرك بعض الأمور عند الحديث، خاصة في الأحاديث العامة، أولها وأهمها منع اللغة المستفزة للناس، فكثير منهم مستعد تماما لرفض (الحقائق) حين تقدم بتلك اللغة، ولعلنا نتفق أن كل أحد يستطيع أن يقدم فكرته بأسلوب جيد وبحروف غير استفزازية، فالأمر لا يحتاج إلى معجزة. ومن لا يمتلك هذه المقدرة البسيطة فبالإمكان اختيار الصمت، أو إسناد أمر الحديث إلى أهله ومستحقيه.، خاصة حينما يكون عاجزا عن تقديم خير، فكفاية الشر كافية، (وليسعد النطق إن لم يسعد الحال).

والأمر المهم الآخر أن نحث أنفسنا ونجاهدها في محاولة فهم الآخر، وتقبل فكرة الاختلاف، والامتناع تماما وتحت أي عاطفة عن التنمر أو التعدي أو الفجور في مخالفة المخالفين لنا والمختلفين عنا، فتلك جريمة أشد وأطغى. والأكيد أنه لابد من توفر قنوات نظامية ومؤسسات متخصصة ونوافذ مفتوحة للحديث الراقي للتصحيح والحلول، فلا يقبل أبدا أن يسمح لأحاديث التوتر والاستفزاز، أو للضوضاء بالسيطرة على الموقف وتعكير صفو الأمور والصدور.

darifi_@