محمد حطحوط

لهذا تغار أبها من إسطنبول

الثلاثاء - 26 يوليو 2016

Tue - 26 Jul 2016

تكتب هذه الأحرف من شرفة فندق أرستا الذي يتكئ على درج جامع السلطان أحمد، الوجهة السياحية الأولى في إسطنبول، لأنه يحتضن في ساحته الشمالية آيا صوفيا، الكنيسة البديعة هندسيا، والتي حولها محمد الفاتح لجامع كبير بعد فتحه للقسطنطينية. الفتح الكبير أسقط هذه المدينة الفاتنة -القسطنطينية بالأمس وإسطنبول اليوم- في يده لينال شرف وعد النبي صلى الله عليه وسلم: (لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش) وهو حديث رواه أحمد في المسند.

من هذا المكان الجميل حيث تختلط أصوات الباعة مع صوت موسيقى عمر فاروق، الموسيقار التركي الكبير، ويكتمل المشهد بنسمات عليلة تستمتع فيها بكل ذرة أكسجين، وتشارك كريات الدم الحمراء البسمة وهي تنقلها شاكرة لأنحاء الجسم. هذه الإطلالة وهذا الجمال وهذا الجو العليل هي وصفة سحرية لأي كاتب صحافي حيث تشترك أعضاء الجسم في متعة الكتابة، فتكتب روحك ويخط قلبك ويضيف سمعك ويطبخ الفكرة عقلك. تخيل عزيزي القارئ كل هذا الكم من الجمال وتكلفة الفندق لسبعة أيام هي سبع مئة ريال فقط! مرة أخرى سبع مئة ريال لكل الأيام السبعة، بمعدل مئة ريال لليوم الواحد!

مرة أخرى، لا نريد الهواء العذب، ولا نريد عمر فاروق، ولا نريد الخضرة التي تملأ العين، نريد فقط غرفة متواضعة على طريق السودة في مدينة أبها! الأسعار تبدأ من 300 ريال، وهذا يعني أن تدفع ثلاثة أضعاف ما يدفعه كاتب هذه الأحرف في الفندق هنا! هذا مثال واحد لفرق شاسع في الأسعار، ومتأكد تماما أن من يقرأ هذه الأحرف الآن تقفز في مخيلته مقارنات كثيرة وشواهد لا تنتهي.

ويبقى السؤال المهم: لماذا تغار أبها من إسطنبول؟ وبعبارة أكثر وضوحا، لماذا هذا البون الكبير في الأسعار بين المدينتين؟ مع أن المنطق الاقتصادي يقول يجب أن تكون أبها أرخص بكثير، لأنها معفية من الضرائب، أو القيمة المضافة، ولا يوجد ضرائب سنوية على الأراضي، وسعر الكهرباء رخيص جدا والماء والخدمات الأخرى مقارنة بإسطنبول.

واحدة من أهم الأسباب التي لا تستطيع تجاهلها في موضوع كهذا الاحتكار! عقود تلتها عقود والسودة لا تحتضن، أعلى نقطة بالمملكة ومن أجمل الأماكن بالسعودية دون منازع كأجواء، سوى فندق واحد، لا تجد فيه غالبا غرفة متاحة فضلا عن الغلاء الفاحش هناك!

كل مواطن يحب بلده، ويتمنى لها الخير دوما، وستظل يهفو لها قلبه، لكن المواطن يحسب أموره اقتصاديا كذلك، فإذا أضاف تكلفة الطيران، سيجد أنه مع ذلك يستطيع أن يوفر أكثر مما لو قرر دعم السياحة الداخلية. حتى يحدث ذلك فلا تلم مواطنا قرر أن يقضي وقتا ماتعا خارج أسوار وطنه الذي يحبه كثيرا.

[email protected]