بندر الزهراني

الكفاءة والفاعلية في الجامعات السعودية

السبت - 03 يوليو 2021

Sat - 03 Jul 2021

عنوان مقالي اليوم هو في الحقيقة عنوان سلسلة ورش عمل متخصصة تقدمها وزارة التعليم، بدأتها الأسبوع الماضي باجتماع نائب الوزير للجامعات والبحث والابتكار مع رؤساء الجامعات وبعض الخبراء الدوليين في الكفاءة والفاعلية، وعلى أن العنوان جميل ومشجع، وهو ما شد انتباهي وأثار فضولي، إلا أننا كغيرنا من المهتمين بالشأن الأكاديمي نتطلع دائما للنتائج والثمار، كما يتطلع الزراع زرعهم إذا أينع وأثمر، ويعجبهم إذا استغلظ واستوى على سوقه، أو بالأصح نحن نتلمس النتائج الممكنة أينما كانت، ونتنبأ بما تؤول إليه الخطط والاستراتيجيات.

وفي خبر الورشة المنشور على موقع الوزارة، نائب وزير التعليم للجامعات يؤكد أن هذه السلسلة من الورش تستهدف رؤساء الجامعات ووكلاءهم، والغرض منها تعريفهم بمفاهيم الكفاءة في التعليم العالي والدوافع الرئيسة لرفعها، وهذا غرض نبيل بلا أدنى شك، ولو أن الوزارة استهدفت بورشها هذه أساتذة الجامعات بدل رؤسائها لكان أدعى للتطبيق، وأنفع للجامعات عند تحقيق مأسسة عملياتها الإدارية والأكاديمية، وهذا ما تروم إليه الوزارة وتأمل حدوثه، لماذا؟ لأننا نفترض في رئيس الجامعة الكفاءة والفاعلية، وإلا كيف اختير رئيسا للجامعة وهو ما يزال بحاجة ليتعرف على أسس الكفاءة والفاعلية! لا يمكن أن تخاطب العقلاء بهذه العقلية إلا إذا وجدت نفسك بينهم في مستشفى الصحة النفسية!

الوزارة تقول: إن هذه الورش تأتي من باب استثمار الدعم اللامحدود من القيادة الرشيدة لزيادة كفاءة مؤسسات التعليم الجامعي، وفي تصوري أن فهم الاستثمار على هذا النحو فهم خاطئ وينحرف بالمعنى الأصلي للاستثمار عن المسار الصحيح له، لماذا؟ لأننا في الواقع بهكذا تفكير كمن يبني مسجدا جميلا، ثم يعين له إماما لا يعرف الصلاة أو لا يحسن القراءة، فإذا صلى وانكشف أمره بدأ بمشروع تعليمه الفاتحة وقصار السور، فإذا أحسن ركعة أو ركعتين، وتعلم آية أو آيتين، ظن نفسه حجة الله وفقيه زمانه، وربما خرج للناس يقول لهم: صلوا كما رأيتموني أصلي!

دعونا نتفق ابتداء على أن الاعتراف بنقص الكفاءة والحاجة لرفعها لدى القيادات الأكاديمية ليس عيبا في ذاته، وكردة فعل طبيعية للشعور بالإخفاق، بل هو شجاعة ونقطة انطلاق صحيحة نحو الاستشفاء من أمراض مناصب الترشيح وعلل القرارات الخاطئة المعتمدة عليها، ولكن دعونا أيضا نتساءل بعد هذا الاعتراف الشجاع عن الكيفية الصحيحة للوصول إلى الكفاءة والفاعلية، ترى هل نكثف الدروس وورش التدريب للقيادات الأكاديمية العليا أم نبحث عن كفاءات حقيقية جاهزة بالفطرة والتأهيل لتتولى دفة القيادة!

في بعض الجامعات لديهم برامج تكوين القادة أو مراكز إعداد القيادات الجامعية، ففي جامعة الملك عبدالعزيز على سبيل المثال مركز قادة المستقبل، وفيه يتحدثون عن التقوى والإحسان زيادة فوق الكفاءة والفاعلية، ويقدمون دبلوما تنفيذيا في القيادة الأكاديمية، وقبل جائحة كورونا إن لم تخني الذاكرة نظمت الجامعة لهؤلاء القادة الاسميين - أقصد قادة بلا صلاحية - مؤتمرا عالميا، واستضافتهم في أحد منتجعات ثول الشاطئية حيث السحر والجمال، المثير للدهشة والاستغراب أن الهدف من وراء هذه البرامج كما تقول الجامعة هو تأهيل صف ثان من القادة والسعي لتوطين العمل القيادي، وكأن الإدارات الأكاديمية مختطفة من الخارج!

ربما بسبب تداخل هذه البرامج وكثرة الورش، وبالتالي تشتت الرؤية وعدم القدرة على تحديد الأهداف عند بعض الإدارات الجامعية، رأت الوزارة أنه من المناسب الحديث عن رفع مستوى الكفاءة والفاعلية لدى رؤساء الجامعات قبل غيرهم، وقد نتفق مع الوزارة في هذا المنحى، وقد نختلف معها، وما بين الالتقاء والافتراق تظهر جودة الحلول وعقلانية الطرح، فليس كل رؤساء الجامعات ولا كل الوكلاء بحاجة للانخراط في كل هذه الورش!

في ما مضى من الزمن الجميل كنت أرافق أبي إذا ذهب إلى أسواق الجملة يشتري بضاعة لبقالتنا الصغيرة، وكان أبي إذا اشترى لا يشتري هكذا كيفما اتفق، بل ربما ترك كل ما اشتراه لأجل هللات معدودات، فإذا لاحظ علي التعب والضجر قال لي «يا ولدي ترى المكسب عند المشتري!» وأنا اليوم أقول: إنما الكفاءة والفاعلية عند اختيار القائد الحقيقي!

drbmaz@