أحمد بني قيس

جدلية الصلاة والإغلاق

الخميس - 01 يوليو 2021

Thu - 01 Jul 2021

بعد أن خف الضجيج حول قرار عدم تشغيل مكبرات الصوت في المساجد عند إقامة الصلاة. ضجيج وجدنا عند البحث فيه أنه غير مدعوم لا بدليل شرعي ولا بدليل فقهي يمكن المحاججة به مما جعل المتفكر في ذلك الضجيج يتساءل أيهما أهم عند من كانوا معارضين له.. سماع الصلاة أم أداؤها؟ ولكن كما هي العادة في مجتمعنا تم التوقف عن إثارة هذا الموضوع من قبل من كانوا يعترضون عليه بعد أن أقره ولي الأمر وانتفى خطره المزعوم على سلامة المعتقد وحسن تطبيقه.

ومن يراقب حال مجتمعنا وطبيعة تعامله مع المستجدات يشهد وللأسف بكثرة الاعتراض على أي مستجد تتبناه الدولة كما سبق وأن أشرت بسبب الخوف الدائم من انعكاس تبنيه سلبا على الدين وعلى مدى التزام الناس به ومن المفارقات العجيبة في هذا الشأن تحديدا أن جميع المعترضين على تبني أي مستجد سرعان ما يتقبلونه ويصرحون بجواز التعامل معه عند اتضاح حقيقة أن تطبيقه لا يتنافى إطلاقا مع تشريعات الدين أو ثوابته وأن تبنيه يحقق المصلحة الدنيوية العامة للجميع، كما أن خطره المزعوم يتلاشى أيضا التعبير عنه عندما يتأكد المسوقون له بأن اعتراضهم عليه لم يكن في محله وأن ضرره المؤكد عندهم على الدين وسلامته لم يكن سوى أضغاث أحلام.

وهذا الحال المجتمعي المتكرر مع المستجدات سينطبق أيضا على موضوع جديد قديم يتعلق بعدم إغلاق المحلات وقت الصلاة والذي تتم إعادة النقاش حوله هذه الأيام من قبل المتخوفين من تأثيره السلبي المتوقع على أداء الصلاة تماما كما كان الحال مع مختلف المستجدات السابقة التي تعرضت لنفس الرفض في بداية تطبيقها ثم تخلى الناس لاحقا عن هذا الرفض بعد ثبوت جدواها وعدم معارضتها مطلقا لصحيح الدين وصريحه.

وسأتطرق لموضوع عدم إغلاق المحلات وقت الصلاة بشكل مختصر لأن إقرار هذا الأمر من عدمه بيد الدولة والعلماء المعتبرين وليس بيدي أو بيد غيري، ولكن سأطرح وجهة نظري حول هذا الموضوع استنادا إلى بعض الحقائق الراهنة والتاريخية المتعلقة بهذا الشأن.

فتاريخيا لم يثبت أن أيا من أئمة المذاهب الفقهية قد أمر بإغلاق مصالح الناس حتى يتم إجبارهم على الصلاة في وقت محدد سواء كان في أول دخول وقت الصلاة أو في منتصفه أو حتى في نهايته، هذا من الناحية التاريخية، أما من الناحية الراهنة فلقد أثبت الواقع تعطل الكثير من المصالح نتيجة انتظار الكثير من الناس بعد انقضاء صلواتهم لفتح المحلات الذي يدوم أحيانا لحوالي الساعة تقريبا بينما أداء الصلاة لا يستغرق عند إقامتها سوى خمس عشرة دقيقة إن لم يكن أقل، ثم إن هنالك حقيقة أخرى يجب إدراكها والتنبه لها وهي أن من يقرر هذا الأمر هو ولي الأمر فقط بالتشاور مع مفتي البلاد وهيئة كبار العلماء ولا يملك كائنا من كان الحق في التجاوز على صلاحيات هؤلاء فهم حريصون على سلامة الدين والتمسك بتشريعاته مثلنا إن لم يكن أكثر فحبذا لو نتواضع قليلا ويعلم كل منا حجمه ومقدار علمه دينيا قبل أي أمر آخر ويعلم أيضا بأن القرار ليس بيده وإنما بيد من ذكرتهم من جهات وعلينا فقط السمع والطاعة لهم والثقة في أنهم ليسوا أقل حرصا منا على الدين.

ختاماً أقول الحمدلله على وجود مثل ولاة أمرنا الذين ننعم بحكمتهم وسعة أفقهم؛ سعة أفق مكنتهم من تجاوز الكثير من المعضلات والعقبات في سبيل نمو وتطور مجتمعهم وكذلك في سبيل رقية وازدهاره ونلحظ ذلك بجلاء تام في تعاملهم الواقعي مع جميع المستجدات الطارئة على مجتمعهم وكيف أنعكس تطبيقها إيجابيا على مختلف مجريات حياتنا كما أن تاريخهم يثبت بأن وعيهم الواسع كان دائما حكيما وسابقا لوعي مجتمعهم وهذه حقيقة يؤكدها تاريخنا ويشهد بذلك كل محايد ومنصف.

ahmed_baniqais@