أحمد الهلالي

مصلح في مواجهة الهياط!

الثلاثاء - 29 يونيو 2021

Tue - 29 Jun 2021

امتلأ بنا مجلس الشيخ حسان، ودارت القهوة، ثم البخور، وصحون الحلويات الفاخرة، وبعدها انهمكنا في أحاديث جانبية، غالبها أسئلة عن الوجوه التي لا نعرفها، من ذاك الذي يجلس عن يمين فلان؟ وبعد فلان بشخصين؟ وكالعادة أخرج معظمنا جواله، فثمة عوالم تشدنا إليها أكثر من الواقع، وفجأة قال الشيخ حسان وهو يلفلف بشته: حياكم الله جميعا، هذه الليلة نحتفي بحصول ابني أوس على شهادة الثانوية العامة، ونريد منه كلمة بهذه المناسبة، وبعده سألقي كلمتي، ورفع أضمومة من الأوراق في يده!

حين بدأ أوس الحديث، صوبنا كاميرات الجوالات نحوه واحتجبنا خلف فلاشاتها، فتعرق الشاب واحمرت وجنتاه، وارتجفت أنامله، حتى بلغت الرعدة صوته، ثم سرى التلعثم يربك نظام حديثه، فوقف في ركن المجلس الشاب السبعيني مصلح وصاح فينا: أبعدوا الجوالات عن الشاب هداكم الله، فأنزلنا الجوالات عدا خمسة رجال لم يلتفتوا إليه، فتقدم حتى وسط المجلس، وقال:

يا قوم، كل الناس اليوم يحملون أجهزة، ولديهم حسابات على الإنترنت، وحساب الشيخ حسان به 1200 متابع، ولو أراد الاحتفاء بابنه الكترونيا لأتى بأفضل الكاميرات والمصورين وبث الحفل عبر جميع المواقع، فانظروا ماذا تسببتم فيه من حرج، فوقف الشيخ حسان وأمسك بيد مصلح وأعاده إلى مجلسه، وقال: امسحوها في وجهي يا جماعة، هذا الرجل ملقوف ـ الله يصلحه ـ ومن حق أوس أن نحتفي به، وها هو جوالي في الركن يبث الاحتفاء على حسابي مباشرة!

ضحكنا من مصلح، وعاد أوس للتحدث مرغما وعدنا للتصوير، فقام مصلح مجددا ونهرنا وقال: لا مكان لي في هذا المجلس، لكني سأقول كلمة لهذا الرجل: ارأف بحال ابنك يا حسان، لن يعتز بهذه الليلة، ولا بهذا التصوير الذي يظهر فيه بهذه الحال، هو يضغط على نفسه إرضاء لطمعك؛ لأنه يعلم أنك تبحث عن الشهرة، فابنك كأبنائنا تخرج من الثانوية وهذا أمر طبيعي لا يحتاج إلى كل هذا الهياط، فقام إليه الشيخ حسان وأمسك بيده وأشار إلى الباب، فأفلت مصلح يده ومضى خارجا، وقبل أن يخرج قفز أوس من مكانه وأمسك يده، ورجاه أن يعود إكراما له، فنظر مصلح نظرة صقرية إلى حسان وسار إلى مكانه، فجلس أوس بجواره يلاطفه.

أخجلنا جميعا موقف أوس فأنزلنا جوالاتنا، وصمت الشيخ حسان صمت المغلوب على أمره فقد ذهب مخططه الهياطي أدراج الرياح، فنهض رجل من جوار حسان وقال: لدي قصيدة للشيخ حسان بهذه المناسبة، فنهره شاب آخر من أقصى المجلس، ظنناه سيتحدث عن الموضوع، فأمسك جواله وأخذ يقرأ: رأينا جميعا ما حدث، والمتسبب فيه أنتم أيها الكبار، أصبحت مجالسكم مفككة، لا نظام لها، خاوية من الأحاديث والحكم والقصص الهادفة، وأصبحنا جيلا ليس لديه ما يسمعه في مجالسكم ولا ما يقوله، نأتي إلى المأدبة متأخرين ونمضي بعدها على عجل إلى مجتمعاتنا، فقد خلقتم بهياطكم وتصرفاتكم الرعناء فجوة بيننا وبينكم، فقام حسان ممتعضا وقال: قوموا إلى العشاء، فجلسنا في انتظار المائدة زهاء الساعة!

ahmad_helali@