مرزوق بن تنباك

قبيلة البدون

الثلاثاء - 29 يونيو 2021

Tue - 29 Jun 2021

خلقت جزيرة العرب وخلقت معها القبيلة والبداوة متلازمتين لا تنفصل إحداهما عن الأخرى، كان التلازم ولا زال قائما ولم تعرف الجزيرة تكوينا سكانيا أو روابط اجتماعية غير رابطة القبيلة في تشكلها وتنوعها وتعدد المساحات الواسعة فيها.وقد مرت على الجزيرة دول وممالك وجماعات كان الثابت فيها التكوين القبلي والمتحول غيره من الأحوال والظروف والسكان، حتى عندما جاء الحدث العظيم الذي غير تاريخها وهو الإسلام لم يستطع زحزحة القبيلة أو تحويلها إلى أي انتماء غير الانتماء الأول والثابت.

وأكثر من ذلك صنعت القبيلة رابط النسب العريض وهو أقوى الروابط وأشدها وجعلت رابطة الدم بين كل الأفراد الذين ينضوون تحت شعار النسل الموحد، مع أن القبيلة تعرف في تكوينها الأساس أن لها أنسابا متعددة وأصولا مختلفة لكن لا تذكر ذلك ولا تنشره.

ولأن القبيلة رديف البداوة والترحال والحل والانتقال فقد صارت الرحلة الدائمة طبيعة ملازمة للقبيلة في داخل جزيرتها، وإذا ضاقت بالقبيلة مساحات الجزيرة الواسعة قذفت بما زاد من حولتها إلى خارج رحمها الأول.

وهذا الحال أوجد منذ القدم تشتت بعض القبائل وتفرق اجتماعها وتعدد مواقعها سواء كان هذا التعدد داخل إطار الجزيرة أو خارجها، وأول قبيلة عانت من التشتت والفرقة وابتعاد بطونها بعضها عن بعض هي قبيلة بجيلة التي تفرقت في الأرض والقبائل حتى بعث نبي الإسلام، وجاء لبجيلة سيد عظيم أعاد لها وحدتها وأقام كيانها وهو الصحابي الجليل جرير بن عبدالله البجلي.

اليوم يحدث التفرق والتشتت ليس لقبيلة واحدة ولكن لقبائل كثيرة هم من العرب ومن جزيرة العرب ومن قبائل العرب ويصبح اسمهم قبيلة البدون وتحتويهم جزيرة العرب ودولها الخليجية خاصة، ولكن هذه القبيلة تصبح قضيتها قضية القضايا بل هي أم القضايا وأبوها.

تخلقت مشكلة قبيلة البدون في دول الخليج خاصة حين عاشت في وطنها الأصلي وفي دولها الخليجية التي يعيش ويعمل فيها 80% من غير العرب ومن غير أهل الجزيرة العربية فاتسعت لهذه النسبة العالية منهم، وهم مختلفون جنسا ولغة وربما دينا ولم يربطهم بجزيرة العرب غير العمل والمنافع التي جاؤوا من أجلها.

أما العرب أبناء الجزيرة وقبائلها الذين نعرف نسبهم وقبائلهم ونعرف أباءهم وأمهاتهم وإخوانهم دما ولحما فقد ضاقت عليهم الجزيرة وقطعت الصلة بهم والرحم وعوملوا في وطنهم وجزيرتهم معاملة العقوق والنفي والنكران.

أمر البدون في دول الخليج أمر محير يستعصي فهمه ويستعصي إدراك مقاصده وأسبابه، يولد البدون في دول الخليج ويعيشون ويعملون كما عاش فيها أباؤهم وأجدادهم بعضهم في الجيش والأمن وفي كل المرافق ثم لا يمنحون هوية المواطنة أو الجنسية التي لم تعرفها المنطقة إلا منذ سبعين عاما بل لم يخترعها العالم إلا حين اخترع الدولة القطرية - والبدون كانوا في هذه الدول وفي الأرض قبل اختراع الجنسية - وحتى من اخترع الجنسية أوجب أن من يولد في دولة أو يعيش فيها ويعمل أكثر من خمس سنوات فهو مواطن يستحق هوية المواطنة وكامل حقوقها وجنسية الدولة القطرية التي يقيم فيها أما ما يدندن حوله الرسميون من طلب الوثائق والأوراق الثبوتية فهم يعلمون قبل غيرهم أن قبائل الجزيرة وسكانها جميعا لم يعرفوا الأوراق ولم يحملوها قبل خمسين سنة مضت والبدون وجدوا حيث هم اليوم قبل ذلك التاريخ.

الحمية العربية:

يحتاج حل قضية البدون إلى الحمية والنخوة العربية إن لم يكن الحق القانوني فليس من المروءة فضلا عن الواجب ألا تستوعب الدول العربية في الخليج من فيها من هؤلاء القبائل العربية وهم لا يكونون نسبة عالية على كل الحال وهم موجودون شاءت الدول أو أبت، بينما الحاجة ماسة لأهل الأرض الأصليين مقابل الطوفان البشري القادم من خارج الحدود الذي بلغ نسبة عالية تهدد وجود أهل الوطن فيما فيهم قبيلة البدون التي لم تأت من وراء البحار.

الوضع الإنساني:

في حرب الخليج في 91 عادت بريطانيا إلى الخليج واستشعارا لسابق علاقاتها في المنطقة قبل الاستقلال شعرت بواجبها نحو هؤلاء فأخذت عددا من البدون ومنحتهم الجنسية البريطانية وهي دولة لا تربطها بهم صلة غير شعورها بما كان لها من وجود سابق في المنطقة بينما لم تستطع الدول التي يخدمون فيها حلا لأبناء جنسهم ودينهم وبقوا معلقين بلا هوية ولا جنسية حتى اليوم.

الجانب القانوني:

قبيلة البدون عاش أجدادهم وولد آباؤهم وولدوا هم وعملوا في هذه الدول أي أنهم ثلاثة أجيال متعاقبة لا يعرفون وطنا غير الوطن الذي هم فيه ومن حقهم قانونا أن يتمتعوا بالمواطنة في الدول التي ولدوا بها وعاشوا عملوا.

Mtenback@