بندر الزهراني

التقاعد المبكر عند الأكاديميين غير وارد!

الأحد - 27 يونيو 2021

Sun - 27 Jun 2021

تناقل الأكاديميون وغير الأكاديميين في الأيام الماضية بعض أحاديث التقاعد، وتناولها البعض بشيء من الخوف الممزوج بالغضب والتعصب، وإن كانت الأحاديث الرائجة مزعجة في ذاتها وغير مطمئنة ولا تدعو للتفاؤل، إلا أن الإشكالية ليست فيما قيل، لأن ما قيل يظل مجرد أقاويل ووجهات نظر، يمكن أن تؤخذ بالاعتبار ويعمل بها، ويمكن أن ترد وتندثر مع الأيام، وإنما الإشكالية في تزامن ذلك مع ما أقر مؤخرا من خيارات التحول، ومن ضمنها خيار التقاعد المبكر.

هل يفهم من رواجها في هذا التوقيت أن مخاطر التقاعد المبكر على المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية في المدى البعيد أكبر من استفادة المواطن وانتفاعه من التقاعد! وهل يفهم من ذلك أنه كان يتوجب استدراك هذا الأمر إما بتغيير سن التقاعد أو إلغاء التقاعد المبكر، وإما بوضع شروط تعجيزية أو تشريع آليات معينة تحد من الزيادة في أعداد المتقاعدين! هل المطلوب أن يلتقط الموظف هذه الرسالة كي يستبعد خيار التقاعد المبكر من حساباته عند التحول!

الشيء الواضح والذي لا يحتمل الأخذ والرد، ولا الجدال والمناقشة، هو أن الراتب التقاعدي حق للموظف، لا مكافأة يمكن إلغاؤها أو الاستغناء عنها، وما عدا ذلك لا بأس من مناقشته، على سبيل المثال كأن يحاط الموظف بكل شفافية ووضوح بمجالات استثمارات المؤسسة، ففي ذلك إشاعة للطمأنينة لدى الموظفين وحض لهم على الاستمرار في العمل، بل وفيه إنجاح لخطط واستراتيجيات التحول والتخصيص.

في ظني أن التأمينات الاجتماعية لم تكن يوما من الأيام في مواجهة الناس أو أنها كانت تقف ضد ما فيه رفاهيتهم ونماء مجتمعاتهم، بل على العكس من ذلك، فالدولة وولاة الأمر كانوا وما زالوا حريصين كل الحرص على ما يضمن أمن واستقرار المواطن، ومن أمنه واستقراره المحافظة على حقوقه الأساسية وأمان معيشته وتوفير احتياجاته وامتيازاته، ولا أظن الأحاديث التي ظهرت مؤخرا إلا خارج الأطر الفنية للمؤسسة العامة للتأمينات، حتى ولو كانت مخاوف المؤسسة مخاوف معقولة أو مبنية على تنبؤات رقمية صحيحة.

في الوضع الأكاديمي الأمر مختلف نوعا ما، وما تخشاه المؤسسة أو تتوجس منه ليس له وجود في الحالة الأكاديمية إطلاقا، بمعنى أن الأكاديمي في الغالب لا يبحث عن التقاعد المبكر، بل وحتى بعد تجاوزه السن القانونية للتقاعد تجده يسعى بكل ما أوتي من قوة باحثا عن التمديد لفترة أو فترتين، ثم بعد ذلك إما أن يسخط على الجامعة أو تتعاقد معه! فشعاره طوال حياته الوظيفية: لا للتقاعد بل للتمديد والتعاقد أو ما يعرف بالتعاون، وكأنما الدنيا ومباهجها ما خلقت إلا له!

والسبب في تعلق بعض الأكاديميين المحليين (لا نقول الكل) بالعمل الجامعي تعلقا غريبا يستمر إلى ما شاء الله من العمر، هو - من وجهة نظري - ليس من باب حب العمل والتفاني والإخلاص كما هو الحال في باقي المهن والوظائف، وإن تظاهروا به، إلا في ما ندر وندر جدا، لأن الأكاديمي المحلي بطبعه وتكوينه الذهني ميال للبحث عن الراحة والاسترخاء، فتراه يتهرب ما استطاع من البحث العلمي والتدريس ويلجأ للعمل الإداري الروتيني حتى لو كلفه ذلك التنازل معنويا عن تخصصه العلمي والانتقال لعمل إداري لا علاقة له بالتخصص!

ومن المفارقات أنني قابلت (السير ديفيد كوكس) وهو في سن الثلاثة والثمانين وكان يعطي عطاء يفوق عطاء ألف أكاديمي محلي، وصادفت في مناسبة ما (فرانكلن قريبل) وهو في سن الثمانين وكان ما يزال متوقد الذهن، سريع البديهة، فالأكاديمي الحقيقي لا يتقاعد عند سن الستين إلا في النظام، ولدينا أكاديميون كثر من هذا النوع، فينبغي على المؤسسة ألا تقلق، لأننا معشر الأكاديميين لا نتقاعد مبكرا، ولا نستسلم، بل نموت أو نهرم ونحن نعمل، نموت موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين!

drbmaz@