علي المطوع

متلازمة نقص الشغف المكتسبة

الاحد - 27 يونيو 2021

Sun - 27 Jun 2021

كثير منا يتذكر مشهد الرئيس العراقي السابق في قاعة الخلد في بداية حكمه عندما أطلق العنان لنزعاته التسلطية ونزغاته الدكتاتورية من خلال خطابه المزلزل الذي كان في جمع من البعثيين، أراد من خلال ذلك الاجتماع تصفية بعض المناوئين له وأراد أن يكون ذلك درسا حيا وعظة وعبرة للباقين، أما التهمة فقد كانت كالعادة التآمر على نظام البعث وثورة تموزه الخالدة!.

ما سبق يستشعره كثير من الموظفين البسطاء والمستضعفين -مع الفارق- في شخصيات بعض المديرين الذين يديرون بعض المرافق الخدمية التي لها علاقة مباشرة بخدمة المواطن والقيام على شؤونه وشجونه، والذين حملتهم الصدفة لتسلم أماكن إشرافية كبيرة عليهم وعلى خبراتهم وقدراتهم، أو من خلال رأي مخاتل قدمهم على أنهم الأفضل والأقدر والأجدر.

سلوك هذا النوع من المديرين يثير في طيف واسع من موظفيهم كثيرا من علامات الاستفهام والتعجب، وأولها عن سلامتهم النفسية، وقدرتهم على التعاطي مع الحياة عموما ومسؤولياتهم الإدارية بشكل طبيعي، بعيدا عن الجوانب الشخصية، والأخيرة عندما يتم تأصيلها وقياسها في العيادات النفسية وقبل ذلك المعاشرة اليومية، فإنها تظهر عاهات نفسية أصلية وأصيلة في شخصياتهم، والتي قد تكون مرتبطة بحوادث عنف مبكرة أو فقد مفجع أو صدمات اجتماعية نزعتهم من حالات السواء النفسي الطبيعية لتجعلهم أسرى لأمراض نفسية غريبة وعجيبة.

المجتمع الوظيفي اليوم يترقب الخصخصة ومآلاتها المرتقبة والتي ستلغي كل الأنظمة الوظيفية القديمة ومفاهيمها وستأخذ العاملين والمرافق الخدمية إلى مفاهيم جديدة وسياسات تقوم على الإنتاجية والعدل والمساواة، وهذه الخصخصة تتطلب نماذج إدارية صحيحة ومخلصة وواعية، تعي مسؤولية المرحلة ومتطلباتها ومتغيراتها، وهنا نطرح سؤالا مهما، هل هؤلاء المديرون المعتلون نفسيا قادرون على صنع الفارق للموظف والمنشأة؟، وهل تستقيم مفاهيم الخصخصة مع أساليبهم الإدارية العدوانية والغريبة؟.

إن بعض النماذج التي تدير مشهدنا الإداري في بعض المرافق الخدمية تعكس حالات من الفقر الإداري والعوز النفسي، كون من يدير المشهد فيها، فقراء على مستوى الخبرة والدراية، هم في وصولهم نتاج لقاءات الاستراحات ومناسبات المفطحات ورحلات الاستجمام لبعض الشركات، هؤلاء وصوليون إقصائيون لا يحترمون أحدا ولا يقربون إلا المتردية والنطيحة وما ترفع الدهر وترفق عن طيها في صفحات أحداثه، والتي تسمع لرؤاهم وتنفذ توجيهاتهم الخاطئة، لأن هذا الصنف من المديرين يمارس أساليب عربجية شوارعية عند تعاطيهم مع شأن من شؤون مرفقهم الخدمي وأفراده، فقد تجده في اجتماعاته يمارس دورا ديكتاتوريا كدور صدام في ذلك الاجتماع الشهير بهدف كسر نفسية بعض الذين قد يملكون رأيا من أقرانه ومخالفيه الذين يشاطرونه التجربة زمانا ومكانا، فيعلي صوته ويرعد ويزبد ويهدد ويتوعد، لذلك فإن المرحلة القادمة تقتضي نوعية من المديرين على قدر عال من النزاهة والدراية، وقبل ذلك السلامة الصحية وخاصة من العوارض والعاهات النفسية والإدراكية التي قد تنعكس سلبا على المنشأة والعاملين فيها.

الشغف هو الأساس والمطلب الرئيس الذي ينبغي أن يكون موجودا في الشخصيات القيادية كما قال ذلك ولي العهد في حديثه الأخير، وبالتالي فإن هذا المطلب وتلك الصفة يجب أن تنسحب على مديري تلك القطاعات الخدمية المرتبطة بالمواطنين، ويجب مراعاة ذلك عند اختيار هذه القيادات، مع تذكر أن الشغف يتطلب مستوى عاليا من الصحة النفسية والعقلية، وهذا ما يفتقده بعض هؤلاء المديرين الذين يحصرون حضورهم الإداري في نظرات عدائية مستفزة للعاملين البسطاء في الممرات والمكاتب، وفي الأذية والتسلط والتصيد وحب الظهور على حساب المرفق الخدمي وخدماته.

alaseery2@