محمد الأحمدي

حكاية مع المشرف

الثلاثاء - 22 يونيو 2021

Tue - 22 Jun 2021

قبل سنوات دار بيني وبين المشرف الأكاديمي في لقائي الأول به حوار أشارك معكم منه نصيحتين من نصائح الخبرة الأكاديمية بعدما وقع بين يدي تسجيل هذا اللقاء اليوم.

شعرت في أول يوم دخلت فيه جامعة الابتعاث بروح الغربة لا الانبهار، فلا المكان مكاني ولا المجتمع مجتمعي، ولكني أبحث عن بصيص أمل في مكتب مشرفي الدراسي الذي تراسلت معه كثيرا طيلة رحلة البحث عن قبول الدكتوراه، فلعل صلتي الفكرية به من خلال التواصل المستمر تصنع لي ألفة في الموطن الجديد، وفعلا عندما وصلت إليه في مكتبه الصغير شعرت بالطمأنينة من منطوق حديثه الاستهلالي الذي استخدم فيه مصطلحات عربية حفظها من طلبته العرب، واستأنست ببساطة طرحه التواصلي مع طالب مختلف الثقافة، واللغة، والفكر، وإن شئتم الديانة.

وبعد أن عرف أن عائلتي معي سألني عنهم، وعن أعمار أطفالي، وعن كيفية تأقلمهم في المجتمع، وعن تسجيلهم بالمدرسة، ووجهني بأن هناك مسجدا بالمدينة والجامعة.

هذا الانطباع الأولي وثق العلاقة حتى أصبح جزءا من العائلة أستشيره في قضايا تربوية تساعدني في توجيه أطفالي في بلد البعثة، هذا المشرف سمعت عنه الكثير من العبارات التي تجعلني أتراجع عن الانضمام للعمل معه، منها أنه قبل لقائي الأول به بدقائق، صادفت زميلا في مدخل المبنى، وسألني السؤال التعريفي لطالب الدراسات العليا «من مشرفك الدراسي» فعند إخباره، رد بأن «كان الله في عونك» للكناية عن سوء الاختيار.

بعد هذا اللقاء بعام دراسي، حصل المشرف على تمويل بحثي يشمل دراسة أكثر من 200 مدرسة في إنجلترا، وكان من ضمنها المجمع المدرسي الذي تدرس فيه بناتي، وعند ذهابي لإحضارهن منها ترك لي رسالة في الاستقبال تشعرني بزيارتهن، والتعرف عليهن، وترك لهن كلمات معبرة بأنه يعمل مع والدهن في الجامعة على الرغم من أني طالب تحت إشرافه.

إن أول نصيحة سمعتها بطريقة إيحائية من مشرفي أنك تستطيع أن تكون الأول دون أن تحدث جلبة للآخرين أو أن تتنافس معهم! فسألت كيف دون منافسة؟، وأنا خريج مدرسة تنافسية منذ أن عرفت الدراسة؛ فأجاب بالتالي: أنت لست بحاجة لشخص تتنافس معه لتتفوق أو يتفوق عليك، ففي كلتا الحالتين ستبحث عن منافس آخر أعلى أو أدنى، وبهذا تدخل في حالة البحث عن المنافسة فإن انعدم المنافس توقف العطاء وانطفأ الشغف الداخلي، ولكن منافسك الدائم عطاؤك الذي لا يخذلك.

يا لها من كلمات، جعلتني أخرج من المكتب أفكر كيف لمشرف شارف على الستين سنة أن يعمل بنشاط مستمر، وعطاء متدفق، وطلاقة فكرية بحثية غزيرة دون أن ترهقه السنين، وتثقله المهام الجامعية، فالطريق السريع لإشباع الفضول الذاتي للإجابة على سؤالي هو البحث في الباحث العلمي Google Scholar عن كثافة إنتاجيته؛ فوجدت نشره العلمي في تزايد عاما بعد عام، أو على الأقل الالتزام بالحد الأدنى للعام الماضي، فإن نشر أربع أوراق علمية في عام 2019 فإنه يحاول أن ينشر إما نفس الرقم أو يزيد عليه في 2020؛ لذلك فقد نشر ما يزيد على 400 ورقة علمية محكمة أو فصل من كاتب أكاديمي، وما زال معطاء.

أما الدرس الثاني الذي سمعته فهو أن الحياة دورة متجددة، تقربك من أهدافك يوما تلو يوم، وتغرس فيك روح التقدم في مجالك؛ فما عليك إلا أن تجاهد كل صباح لتمسي في رضا تام في نهاية النهار، ستتخلص من التعب الجسدي بمجرد الاستلقاء على الفراش، ولكن خبرتك ستنمو وتتراكم؛ فتصبح في الصباح التالي أكثر معرفة لتتعامل مع ظروف الحياة، وكأنه يقول لي: فقل لمرجي معالي الأمور بغير اجتهاد طلبت المحالا.

لا أصور لكم بأن رحلتنا العلمية خالية من الشد والجذب، والأخذ والعطاء، أو الاتفاق والاختلاف لكن مليئة بالتفاؤل، لا أنسى وزملائي رسائل التفاؤل التي تردنا منه كل يوم اثنين بداية الأسبوع في بريطانيا رغم تساوي الأيام في الجائحة المليئة بالضبابية في بدايتها، والمحيرة لكل ذي بصيرة، حيث كان لها الدور البالغ في بث روح الأمل والتفاؤل في نفوس طلابه، أو التواصل معهم بطريقة جميلة تبقي الود الإشرافي قائما.

هنا أقول إن حياة المبتعث مليئة بالتحديات والصعوبات، وأكثر من يخففها المشرف المتفائل الذي يدرك تفاصيل الرحلة، ويسخر خبرته لتسهيلها، فإن وجدته فأنت في نعمة من الله، وإن كنت هو ذات يوم فكن متفائلا.

alahmadim2010@