مرزوق بن تنباك

التصحر في البيئة وعند البشر

الثلاثاء - 22 يونيو 2021

Tue - 22 Jun 2021

تواجه الطبيعة خطر التصحر وانكماش الغطاء النباتي في الأرض وقلة الأمطار وارتفاع درجة الحرارة، ويفزع الناس والدول وأنصار البيئة وحماة الطبيعة لمواجهة خطر التصحر النباتي ويقيمون المؤتمرات لمعالجة ظاهرة الانكشاف الذي يحدثه على مقومات الطبيعة وازدهارها ومستقبل البشر وما سوف يلاقونه من جفاف وفساد، ويقدرون خطورته وما يخلف من آثار يعدونها كارثية على الجميع فلا ينجو من ضرر الطبيعة أحد قوي شأنه أو ضعف، فالضرر في رأيهم سيكون شاملا وعاما والجميع يعمل لتجنب خطر التصحر البيئي وهو أمر محمود على كل حال.لكن التصحر والجفاف ليس خاصا بالطبيعة والبيئة فهناك مجالات كثيرة يصيبها الجفاف والتصحر والانكشاف، وأخطرها تصحر القيم الإنسانية والأخلاقية التي لم يدرك الناس خطورة ما يصيبها من الضرر وما ينتج عنها من الكوارث التي يتضاعف أثرها أضعافا كثيرة عما يصيب الطبيعة والبيئة والأرض من الجفاف والتصلب والانكشاف.

التصحر عند البشر:

أخطر حالات التصحر تصحر مقومات الرحمة والشفقة والرفق عند بعض الناس حين يصيب هذه القيم تصحر وجفاف ومحل قاتل لا سيما في نفوس أرباب القوة والثراء والسلطان، فالفرد القوي القادر قد ترى في تصرفاته وقدرته تصحرا في رحمته وعاطفته والرفق الذي تجب معاملة الناس به، إذا كانوا دونه بالقوة والقدرة والمكانة الاجتماعية مما يوقع الضرر الكبير على من تقع حالاتهم الضعيفة أمام قوته وجبروته فلا يستطيعون دفعه بقوة مماثلة.

والقوة تسبب ضربا من التصحر العاطفي نحو الآخرين مهما كان نوع القوة، فإذا كانت قوة الإنسان في المال جعل ثروته وكثرة ماله استعبادا واسترقاقا لحاجة الفقراء والمعوزين والعاملين معه في نماء ماله، فيزيد المال وتنمو الثروة على حساب عرق الضعفاء وجهودهم واستغلال حاجاتهم إلى ما في يده من المال ومتاع الدنيا التي يعمل الناس كافة في طلب متاعها، والعاملون في ثروات الأثرياء يزيدون بجهدهم الثروة ولا يحصلون على أجر مكافئ .

وإذا كانت قوة الفرد في علمه وجاهه وما يقدسه الناس في شخصه تصحرت قيمة الرحمة والشفقة والرفق أمام جاهه وعلمه وتقزم وجود البشر عنده -إلا من رحم ربك وقليل ما هم- حتى لا يشعر بوجودهم ولا يحس بأهميتهم.

ذلك أن جبلة الإنسان وطبعه قلما يصمدان أمام ضروب التقديس وعلو الجاه ثم يتحول من كونه فردا عاديا إلى ذات مبجلة مقدسة وقد يداخل نفسه الأمارة بالسوء أنه إنسان محروس بعناية ومكانة لا يستحقها غيره، ولا يحصل عليها سواه، فتتضخم مكانته ويكبر شأنه في نفسه ونفوس العامة الذين يتوجهون إليه بعواطفهم الدينية ويحكمونه في أموالهم وأنفسهم حتى يبقى المرء أسيرا لطاعة شيخه ورضاه، ولا يكادون يخاطبونه إلا بألقاب عليا يخلعونها عليه مثل صاحب الفضيلة والسماحة وآية الله وحجته.

وكلما ارتفعت هذه الألقاب في نفوس الناس تصحرت في نفس صاحبها القيم العليا ونظر إلى أتباعه ومريديه بلا اهتمام، فيصعر خده ويربأ بنفسه عمن قدسه، وشاهدها ما تسمعه من بعض هؤلاء القوم المبجلين حين يصفون من سواهم بالعامة والجهلة ومن ليس عندهم علم ولا معرفة.

ومثلما يسبب المال والجاه تغولا وتصحرا لقيم الفضيلة عند البعض فإن السلطة حتى في أدنى درجاتها لها أثرها في تصحر العلاقات الإنسانية لدى أرباب السلطة مهما تواضعت سلطاتهم وقلت مسؤولياتهم، وهذا يدركه كل من تعامل مع بعض القيادات الإدارية في درجات سلمها الأدنى فضلا عما هو أعلى من ذلك.

والموفق للخير من هؤلاء من عرف قدر نفسه وأنزلها منزلتها وجعل ما أصابه من مال أو علم أو سلطة في خدمة الناس وسعادتهم وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

Mtenback@