عبدالحليم البراك

الهوس بالرقم واحد!

الاثنين - 21 يونيو 2021

Mon - 21 Jun 2021

منذ كان الإنسان؛ كان لديه هوس بالرقم واحد، هذا الهوس ظهر في معظم الحضارات الإنسانية، وتردد في حضارات أخرى معينة نتيجة ارتباك الإنسان تجاه الطبيعة، لكن في حياة الإنسان العامة؛ وفي كل ما يخصه، يظهر الرقم واحد جليا في وجوده وكينونته وثقافته، بل يتحول الرقم واحد إلى شكل رياضي غير محايد على سبيل المثال، ويظهر بشكل لغوي مميز في مثال آخر.

على مستوى الرياضيات كل رقم رياضي وصل إليه الإنسان، تم إرباكه مهما بلغ بزيادة رقم (1) إليه، الأمر الذي جعل الأرقام غير متناهية، فكل ما انتهى إليه الإنسان من رقم، يضاف إليه الرقم واحد، ولو كان لدى الإنسان قليل من الوعي لكان الرقم (صفر) أكثر إثارة من الرقم واحد، فمميزات الرقم صفر على مستوى الرياضيات أو على مستوى الوصف خطيرة للغاية، فتخيل الصفر من انتقاله من صفة اللاشيء (إن صح ذلك طبعا) إلى صفة المضاعفة العشرية والمئوية، فمن لا شيء إلى عشرة ومن عشرة إلى مائة ومن مائة إلى ألف وهكذا، فهو الرقم الوحيد الذي إضافته تحقق قفزة سواء على اليمين أو على الشمال، وربما قال أحدهم بأن الأرقام الأخرى تحقق نفس الشيء لكنها لا تملك صفة اللاشيء مثل الصفر في أي حالة من حالته.

أما على المستوى اللغوي فالإنسان لديه هوس غير عادي بصيغة التفضيل (أفعل) كـ (أجمل وأفضل وأحسن) وهي في صميمها تشير لشخص أو فعل أو حالة أو صفة هي (واحد) سواء في الإيجاب أو السلب، فنقول عن شخص إنه الأفضل فلا أفضل منه، وعن يوم هو الأجمل فلا يوم آخر أجمل منه، وعن شيء سيئ بأنه الأسوأ، فلا حالة أو صفة أو شخص أسوأ منه متفردا بالرقم واحد بالسوء، كل هذه الأمثلة تشير بوضوح إلى هوس الإنسان بالرقم واحد.

الحضارات استخدمت هذا الهوس في كل شيء من اللغة حتى الحياة اليومية، فالأب هو الأب الوحيد للأسرة وما عداه صار جدا أو موسوما بمضاف إليه كشيء آخر، وهو الذكر الوحيد، بينما الأم تتميز بوحدانية لا يمكن أن يشاركها أحد إلا أن يضاف إلى مسماها شيء آخر مثل أم من الرضاعة أو أم الأم (الجدة) واستخدمتها كحاكم وحيد أيضا.

وإن كانت بعض الحضارات عددت في أرقامها، فصارت لا ترى في الرقم واحد ميزة إلا أنها لم تصمد أمام عصف الهوس بالرقم واحد، فبعض الحضارات عددت في الآلهة وعددت في آلية الحكم وعددت في الحيوات لكنها لم تصمد كثيرا لأن الإنسان لا يرى في حياته إلا الرقم واحد كرقم مميز يستحق أن يقف عليه، هذا سبب؛ وسبب آخر أن استقراره مرتبط بوجود مرجعية واحدة لا تتعدد، فهو يرجع لدين واحد ونبي واحد ورب واحد، وفكر واحد ورؤية واحدة في رسم الهرم، وكذلك فكرة التجريد تسعى للاقتراب من الواحدية، بل إن الإنسان واحدي بامتياز اجتماعيا، فترفض المرأة التعددية بالزوجات حفاظا على زوج واحد، وكذلك الزوج الغيور يرفض العلاقات مع زوجته حتى يكون هو الرقم واحد في حياتها!

ويرتبط الرقم واحد بالإنسان بالعظمة والقوة، وبينما تجتمع العقلانية بالأرقام الأخرى، فالأرقام مجتمعة تتكامل وقد تعني الشورى وقد تعني التساوي باختلافها مع أرقام أخرى.

ومهما يكن من أمر، وكخلاصة مهمة، قد يكون من المهم ألا يسيطر على الإنسان الرقم واحد حتى ينشغل به عن التعددية الجيدة ولا يهمله فيميل للأقل مقابل الأفضل (لاحظ استخدمت الصيغة أفعل في كلمة الأفضل).