بندر الزهراني

التحول الأكاديمي فرصة حقيقية للنجاح

السبت - 19 يونيو 2021

Sat - 19 Jun 2021

قد تبدو مسألة التحول من أنظمة الخدمة المدنية إلى نظام العمل والتأمينات الاجتماعية أمرا مقلقا هذه الأيام، وشغلا شاغلا لبعض الأكاديميين والموظفين الإداريين في الجامعات، ولكن المسألة ليست كذلك، بل كان يفترض أن يكون هذا التحول مبكرا ومبكرا جدا.

صحيح أن مخاوف الموظف الجامعي على مزاياه الوظيفية مخاوف مشروعة والتطمينات له في هذه المرحلة ضرورية، خاصة إذا ما نظرنا لعامل الأمان الوظيفي، العامل الذي يحرص عليه كل موظف بغض النظر عن الوظيفة التي يشغلها أو القطاع الذي يعمل فيه، إلا أن الأمان الوظيفي -على أهميته من الناحية النفسية- له آثار جانبية غير مرغوبة في محصلة الإنتاج والأداء العام، وربما يكون واحدا من الأسباب الحقيقية والدوافع الرئيسة وراء التحول.

إشكالية التحول -من وجهة نظري إن وجدت- فهي ليست في النواحي المادية ولا في عامل الأمان الوظيفي، ولا حتى في تنقل الموظف مختارا من جهة لأخرى، لأن الموظف الكفء متى ما اشتغل على مهاراته وقدراته واعتنى بتطويرها سيجد في التحول المثالي جوا صحيا للعطاء والتميز، وميدانا فسيحا للتحدي والمنافسة، ولكن الإشكالية التي أخشى من وقوعها هي ألا يحدث هذا التحول إلا شكلا في عقود التوظيف، ويبقى العقد سيفا مسلطا في أيدي الإدارات الأكاديمية (الميديوقراطية)، فترفع من تشاء وتضع من تشاء!

وسأعطيكم مثالا عمليا: في الأنظمة الحالية رؤساء الجامعات ووكلاؤهم وعمداء الكليات والمعاهد وحتى رؤساء الأقسام لا يتم تعيينهم بآلية واضحة ومحددة، وإنما بالعلاقات الشخصية أو بتوصية مسؤول أو بما يعرف بالترشيح، بغض النظر عن الكفاءة.

فالترشيح القائم اليوم مبني على ثقة صاحب القرار في المسؤول المرشح لا على كفاءة المرَشح المراد تعيينه، فإذا كان هذا هو المعمول به اليوم فكيف سيكون الحال بعد التحول! لا يمكن أن تحدثني عن صورة مثالية للتحول أو التخصيص وأنظمة الترشيح هذه ما زالت سارية المفعول.

الزيادة والنقصان في الأجور الشهرية أمر طبيعي في المؤسسات الخاصة أو بمعنى أصح المستقلة ماليا، ويجب أن يتعود الموظف على ذلك، لأن مثل هذه العوامل عوامل تنافسية بالدرجة الأولى، وطالما هناك تطمينات رسمية على الأقل في العامين التاليين لتوقيع العقود ينبغي على الموظف أن يستثمر هذه الفرصة لتقديم مهاراته بشكل أمثل، والغالب أن سلم أجور الأكاديميين لن تطرأ عليه تغيرات جوهرية، ولو طرأ عليه شيء ففي البدلات والحوافز، خاصة بدلات التميز التي سبق وأن دعوت أكثر من مرة لمراجعتها أو حتى إلغائها مؤقتا، ثم العودة لصرفها بشكل صحيح.

يحكى -والله أعلم- إن مدير جامعة «ما» كان يتقاضى مرتبا شهريا يعادل 40 ألف دولار (150 ألف ريال) فضلا عن البدلات واللجان وخلافها من الحوافز والمميزات، وهذه ليست مبالغة كما قد يظن البعض، خاصة إذا ما قورنت بمرتبات بعض مسؤولي الشركات المحلية الكبرى، بل ربما لو راجعت الجهات الرقابية مسيرات الصرف لرؤساء الجامعات ووكلائهم لوجدت مثل هذا الرقم أو قريبا منه، وليست هذه قضيتنا الأصلية، فلعل هذا المدير قد اشترط مرتبا عاليا بخلاف المعمول به، واستأنس المسؤول عنه آنذاك بكفاءته الفذة وقدراته الخارقة للعادة، ولكن الأمر المثير لقضية الأجر المرتفع هو أن مثل هذه المبالغات في التقدير والتبجيل المادي قد تكون مرجعا أو حافزا لبعض الإدارات الأكاديمية في التقييم عند التوظيف في فترة التحول والتخصيص!

المذهل أن هذا المدير المبجل حينما ترك منصبه ما وجد أحباؤه تكريما له إلا أن سموا شارعا باسمه، قيل لهم فيم فعلتم ذلك؟ قالوا: أكاديمي خدم وطنه بوقته الثمين وبجهده المبارك! وكأنه كان يخدم مجانا أو كان يصرف على الجامعة من جيبه الخاص!

وبعيدا عن الحكايا والأقاويل المصاحبة لها: يجب أن نتفق جميعا على أن التحول في الجامعات وتخصيصها أو شبه تخصيصها منافعه وإيجابياته أكثر من آثاره الجانبية، وأننا مع الوقت سنخلق بيئة مثالية للعمل التنافسي أو أننا على أقل تقدير سنتخلص من نظام الترشيح!

التحول الأكاديمي -حاله حال غيره من التحولات- ينبغي أن يكون فرصة حقيقية للنجاح وإثبات الذات وتطوير القدرات واستثمار الطاقات بشكل مثمر وبناء، ولذلك دعونا مع شد الأحزمة والترقب والانتظار نفتح أبوابا متفرقة للتفاؤل، ونستمطر بركات من السماء ونتوكل على الله، ففي السماء رزقكم وما توعدون.

drbmaz@