منال إبراهيم السيد

العفو أزكى وأرحب

الخميس - 17 يونيو 2021

Thu - 17 Jun 2021

خذ العفو جميلا... رحبا... نقيا من أي نفع دنيوي، يغسل أرواحا لطالما عكر صفوها إساءة أو مظلمة، وانغمست في وحل الظن أو الكبر؛ فليس سوى العفو دواء لكل تخبطاتك للوصول إلى السكينة التي كنت عليها قبل الأذى، وليس للعفو سوى الجزاء الأوفى وعد به الله العافين عن الناس فإنك به تكون في ارتقاب جنة عرضها السماوات والأرض أو أجر على الله لا يعلم مداه إلا هو، أو مغفرة من عنده ورحمة أو ازدياد عزة ورفعة، فماذا قد تبلغ أكثر من أن تكون تحت مظلة الرحمة والمغفرة والعزة؟ وأي مظلمة قادتك إلى هذا الفضل؟!

خذ العفو فضلا... ولا تأخذ من طلب منك العفو بذنبه إن استطعت؛ فيكون العقاب حدك الذي لن تبلغ سواه، فإن لم تطق وبلغ الأذى شغاف قلبك، وعلمت بأنك بعفوك قد تتمادى النفوس، وتسرف في غيها وتتجبر، فلا تكف عن ما أودت وما اقترفت، وكان لك سابق تجاوز عنها؛ فلا بأس، فإن لك حقا، ولا حرج عليك في أن تطرق باب العدل، فإن لم تنتصر فارجع إلى باب العفو، فهو أرحب وأوسع، وهو مقام فضل يليق بأهل الفضل.

خذ العفو عزة... فهو أرفع لك وأسمى، وإنك به لتعلو إلى مرتبة الأصفياء الذين زكت نفوسهم وارتقت سلم الفضل بعفوها وصفحها ومغفرتها، فهان في عينك ما تكبر من ألمك وحزنك وضعفك، ولم تقف عند شفاء نفسك للحظة أو آن محدود؛ فقد تسقم روحك في انتظار العقوبة والعاقبة، وتهلك سكينتك عند استحضارك الألم ليكون وقود ترقبك لهما، واجنح إلى لطف الله ورحمته وواسع فضله وأسأله المقدرة عليه والتوفيق له.

خذ العفو هونا...فهو أرفق بالمخطئ؛ فقد تكون إساءته زلة أولى أو فتنة أو ابتلاء لم يحسن فيه العمل، وواجه فيها ضعفه، وحاد عن الطريق، فلما تجلى له الخطأ من الصواب، وأدرك ما اقترف، وتملكه الندم بقدر الألم الذي تسبب به، وكان له من نفسه ما عوقب به، واستجار بخالقه أن يغفر له، فكان من جلي عدله أن جعل له لقاء محتوما بك يا صاحب الحق، وليس للمخطئ من سبيل يعبر به إلى المغفرة والرضا إلا أن تعفو عنه، اعف فهو أقرب للتقوى؛ طمعا فيما عند الله وارتقابا للمثل من الله، وكلنا ذلك المفرط في جنب الله التائب عن ذنبه، ورجاء في الانضمام لركب المتقين المحسنين العافين الذين استوجبوا محبة الله وكان لهم منها حظا ونصيبا.

خذ العفو صلة... وسارع بحلمك، وعفوك، ووصلك حبال الود والرحمة وخفض الجناح لذوي القربى، ولتكن حلية العفو صفح جميل وصبر ومغفرة تبلغ بها منزلة صلة الأرحام؛ وإن كان منبع ألمك أو أذاك من ذوي القربى فأولهم العفو زكاة لروحك وتحريرا لطرفي الأذى من ثقل القطيعة ومغبتها، فإن لأرحامنا امتدادات شتى في غرفات القلب قد لا نعلم كنهها إلا وقد فات أوان العودة، وقد تكون بعفوك سببا في جمع القلوب وتأليف النفوس وعصمة من الشقاق الذي قد يمتد جيلا بعد جيل، فكيف بك ترى يوسف –عليه السلام- الذي قضى سنواته مبعدا عن والده، مباعا، ومسجونا، ومفترى عليه فلم يحمل ضغينة أو ينتقم بل صفح وفوض؛ فمكنه الله وأعلى كلمته وجمع بينه وبين أحبته، فقال لذويه «لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم»، وهل لك أن تنظر بعين بصيرة إلى موقف الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم- من قومه في فتح مكة عندما قال «اذهبوا فأنتم الطلقاء».

يمكنك أن تعفو... ويمكننا جميعا أن نأخذ بالعفو، وهو نداء أرواحنا بداخلنا، يكفي أن ننصت له ولو كان خافتا، وهو البداية الجديدة التي ننطلق منها إلى النور والهداية والانشراح والسلام والأجر، وننشغل بما هو أولى أن ننشغل به؛ فقد يحول ما تكنه من مشاعر بينك وبين أن تعمل وتنجز وتبدع وتعطي بل بينك وبين أن تحب، والعفو فرصة أخرى نهبها للمسيء لعله أن يتمالك نفسه فلا يتمكن منه الشيطان الرابض في مجرى الدماء ليشيط غضبه أو نقمته أو يأسه.

خذ العفو رضا... وعالج ما بداخلك مستشعرا فضل العفو ومنزلة العافين وأجرهم، فإن تلمست شفاء ما بك ورجوت ما عند الله وهو خير وأبقى، فاسأل الله المقدرة على العفو والتوفيق إليه وقرة عين وشفاء نفس بالرضا به، نسأل الله أن يجعلنا من أولي الفضل الذين تزكوا فسلمت صدورهم وصفت سرائرهم.

manooo01@