محمد الأحمدي

القمة في أفقر منطقة بريطانية

الثلاثاء - 15 يونيو 2021

Tue - 15 Jun 2021

عقدت في فندق خليج كاربس Carbis Bay بأقصى جنوب غرب إنجلترا الأيام الماضية قمة مجموعة الديمقراطيات السبع العظمى التي تشكل ما يزيد عن 40% من الاقتصاد العالمي. هذه المجموعة التي تأسست على خلفية الانهيارات المالية وأزمة النفط في 25 مارس 1973م تجتمع هذه المرة في ظل أزمة مالية عالمية عصفت باقتصاديات العالم بأسره. وقد برز من توصياتها اعتماد ضريبة لا تقل عن 15% على الشركات العابرة للقارات بناء على مبيعاتها في الدولة المستضيفة، وتسريع بروتوكول اعتماد اللقاحات المستقبلية لمواجهة أي تحديات مستقبلية بما لا يزيد عن 100 يوم، وإنهاء الجائحة في 2022 بتحصين 60% من سكان العالم.

وعلى الرغم من أهمية الحدث السنوي لهذه الديمقراطيات إلا أنها هذه السنة تجتمع في منطقة كورنوال Cornwall التي تأتي على رأس أفقر مدن الشمال الأوروبية في القرن الواحد والعشرين، وثاني أفقر المناطق البريطانية بعد منطقة غرب ويلز لتسوق لهذه المنطقة التي يصنف 27% من مساحتها على أنه مساحة خلابة فائقة الجمال والتنوع الطبيعي. ولذا فإن التسويق السياحي والاستثماري صاحب هذه القمة بشكل فعال إلى درجة تصوير رئيس الوزراء البريطاني يمارس السباحة في شواطئ تلك المنطقة. ويعتقد بأن القمة ستحقق زيادة في التأثير الاقتصادي للمنطقة الريفية السياحية بحوالي 50 مليون جنيه إسترليني، 24 مليونا تحققها خلال فترة القمة، و27 مليونا من النمو السياحي الدولي خلال الخمس سنوات القادمة، في مجتمع يشكل نسبة العمل في قطاع السكن والمطاعم 20% في جزيرة سيللي.

وبالعودة إلى عصر الثورة الصناعية التي عمت أوروبا فيما بعد القرن الخامس عشر فإن هذه المنطقة شهدت ثورة صناعية وحراكا اقتصاديا جعلها في القرنين الثامن والتاسع عشر مركزا حيويا في قطاع التعدين وصناعة القصدير والنحاس ومشتقاتهما، فضلا عن أنها مركز للإبداع والابتكار لبراءات الاختراعات المسجلة خارج لندن كالقطار البخاري، واكتشاف الأكسجين في الدم. إلى أن أصبحت مضربا للمثل الأوروبي في عملية التعدين، فقيل إذا كانت هناك حفرة في الأرض فإن في قاعها كورنيشي نسبة إلى أهل كورنوال الذين يسمون بهذا المسمى العرقي الذي يدل على مجموعة عرقية تتحدث لغة الكالتك Celtic التي تعتبر فرعا من فروع اللغات الهندو أوروبية التي انتشرت في أوروبا قبل العصر المسيحي حتى تلاشت بعد تأسيس المملكة المتحدة في القرن الثامن عشر واستبدلت بالإنجليزية.

هذه المنطقة التي عاصمتها ترورو Truro شكلت ذات يوم أغنى ميل مربع خارج لندن في القرن الثامن عشر. لا يصدق أحد رغم هذه الثروة والازدهار العلمي أن تنحدر هذه المنطقة لتصبح ثاني أفقر المناطق البريطانية، ولكن هكذا الحال تحول بها بعد العصر الرأسمالي في نهاية القرن التاسع عشر لتصبح منطقة سياحية تعتمد على الدخل السياحي المتقلب.

ومؤخرا بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بدأت تلتفت لهذه المنطقة الريفية التي تقع على واجهتين عالميتين مفتوحتين، وهما القناة الإنجليزية الفاصلة بين بريطانيا وفرنسا والمحيط الأطلنطي الشمالي. وقد برزت بها العديد من مصادر الطاقة المتجددة كطاقة الأمواج البحرية، والرياح، والحرارة الأرضية المنتجة من صخور الجرانيت الساخن، واستخراج غاز الميثان الحيواني والنباتي لتصبح من المدن التي تعتمد على الطاقة النظيفة، إلا أن مستوى المعيشة بها أكثر تسع مرات من كثير من المدن البريطانية.

تأتي هذه القمة لأغنى سبع دول عالمية في منطقة يعتقد بأن 16% من أطفالها في 2019 يتوقع أن يعانوا الفقر، وأن 12.5% من سكان جزيرة سيللي Isles of Scilly يعاني نقص الوقود، ويكافحون من ارتفاع دراجات الحرارة في منازلهم مقارنة بـ 10.9% من سكان إنجلترا، وأنها تحتل المرتبة الحادية عشرة في نسبة المشردين في 2018، وتحتاج إلى ما يزيد على 11,500 منزل بحلول 2022 حسب وثيقة التحديات والفرص لرؤية المنطقة 2050.

وعلى الرغم من نسبة الفقر إلا أن التقرير أشار إلى أن 29,9% من أطفال الصف السادس الابتدائي يعانون من زيادة الوزن، وأن 69.9% من البالغين يصنفون كبدناء أو زائدي الوزن، أي بمعنى 7 أشخاص مقابل ثلاثة ذوي وزن متوازن.

إن تحول منطقة كرونوال من مدينة التعدين الصناعي إلى السياحة والزراعة حولها إلى مدينة فقيرة، فهل تعيد الطاقة المتجددة، والاستثمار السياحي روح الثراء لمجتمعها الريفي، أم تستحوذ شركات الرأسمالية عليها فتصبح كألف أفعى تشرب الرحيق، من زهرة يربها الريف بالندى.

alahmadim2010@