تاتا.. تاتا
الاثنين - 25 يوليو 2016
Mon - 25 Jul 2016
تحكي الأمهات بأنهن حرصن على أن يخطو الطفل خطواته الأولى على مرأى ومتابعة منهن، ولا يخلو الأمر من أراجيز أو أغنيات ليحفزن الطفل على المشي، خاصة مع المولود الأول الذي كلما تقدم في سلوكيات الإنسان الطبيعي زادت سعادة الوالدين وكأنهما يقدمان للوجود منتجا جديدا أكثر نضارة وأجود بدنا.
عندما تسمع الأم تقول لطفلها وهي تعطيه أصبعا من يدها يقبض عليه بكفه الصغير «تاتا.. تاتا» فتلك بداية الدرس العملي للتدريب على استخدام القدمين الناعمتين في المشي تمهيدا لمشوار الحياة الطويل، ولعل هذا الحرف «التاء» الممدود «بالألف» له وقع السحر على مشاعر الأطفال حديثي العهد بالوقوف، فابتسامة الطفل وضحكاته العفوية عندما يسمع «تاتا.. تاتا» عالمية الإعجاب.
من هذا تذكرت ما يمر على الأطفال من محاولة وتعثر ووقوف وسقوط وفشل ونجاح وتجارب لا يملون من تكرارها والمغامرة بها مهما تعددت النكبات، وتذكرت كيف هي الكلمات الناعمة والدالة على الحال موغلة في ثقافة الإنسانية، ولذلك عندما سمعت قبل سنوات بخبر الشركة الهندية الواعدة «تاتا» وأنها أطلقت مشروعا جديدا أسمته «البيوت السعيدة» تسعى من خلاله لتوفير قيمة أقل ومنافسة جدا للفقراء وذوي الدخل المحدود لبناء المساكن يتراوح بين ثمانية آلاف إلى أربعة عشر ألف دولار عادت بي الذكرى إلى «تاتا.. تاتا» الأرجوزة.
وتفهمت بأن الشركة تهدف لأن يخطو الفقير خطواته الأولى نحو الحياة بشيء من الإعانة والأراجيز المحفزة، لتوفر له أرخص سيارة في العالم، ثم أرخص منزل في العالم، وهذه الثقة في النفس لشركة «تاتا» تجعل فواتح الخير ونوافذ الفرج معقولة لفقراء العالم، في تحدي غلاء المواد الأولية وارتفاع أسعار الأيدي العاملة، وفي اختلاف عن الذين لا يعنيهم فقير يسكن أو مسكين يحلم بدراجة.
كيف استطاعت «تاتا» أن تنفرد في مجال يعج بعبادة الأرباح وشح الإنفاق وقلة النظر للطبقة الكادحة؟ وكيف وصلت «تاتا» لهذه الإمكانية وسط الأزمات المالية الضيقة وتسارع الاستثمارات العملاقة فيما لا يفيد طاعنا في السن يفكر في توفير خبز لأبنائه، أو أرملة تحلم بغرفة من خشب أو صفيح تحميها من انهيارات أرضية أو فيضانات مائية؟ وكيف سلمت من أعداء الإنسانية ومعوقي المشاريع الفاعلة؟
ما يجمع بين ألسنة الشعوب هو الشعور ووصول المعنى، فلا تعني الحروف شيئا ما لم تحمل في بطنها مضمونا يشترك فيه الصيني مع البلغاري والهندي مع التنزاني والعربي مع الأسترالي، ويشترك فيه من يملك قصورا في «نيس» مع من يزرع القطن بصعيد مصر، ويجتمع فيه من يدير شركة «فورد» مع من يبيع أوراق اليانصيب في أزقة دمشق وشوارع كولومبو، لذلك فعودتهم لتعلم الخطوة الأولى نحو حياة أفضل ومعيشة مثلى بصيحات تتعالى من الجميع لهم «تاتا.. تاتا» أمر في غاية الأهمية لتستقيم المعادلة.
فينا شيء من استعجال، نقفز دون لياقة بدنية، ونثب دون زانة، ونشطح بغير تدرج في النمو والتطور، فلا هي كلمة «تاتا.. تاتا» أغرتنا فننتظر حتى تثبت الأقدام على سطح معيشة اقتصادية بسيطة ثم عادية ثم متحسنة ثم مرضية ثم مرفهة، وإنما أعجبتنا كلمة بعض الآباء المتعجلين لجريِ أطفالهم قبل أن يمشوا ويقولون لهم «هبا .. هبا» دون أن يمروا على «تاتا.. تاتا: فيحبطون.
والقاعدة تثبت بأن من لم يبدأ من نقطة لا يصل إلى نقطة بعدها، وبأن مراعاة القدرات والمقدرات والثروات وعدد السكان وديانتهم ومهاراتهم وخرائط تكوينهم البيولوجية والفيسيولوجية هي أولى الأرضيات الصلبة التي منها ينطلق أطفال الشركات وصغار المشروعات وفسائل البنوك الداعمة للفقراء والمحتاجين في العالم، فالحياة الكريمة ممكنة للجميع، ولكن «تاتا.. تاتا».
للهنود الأعزاء نظرة وخصوصية عاطفية حنونة بأطفالهم رغم كثرة عددهم وتزايد الفقر فيهم، فاستطاع رواد منهم أن ينشئوا للفقراء مصرفا يقرضهم ويرعى أحلامهم، وشركات مثل «تاتا» تشعرهم بأن لهم الحق في مأوى ومركب وملبس، في درب بطيء وعبقري، قائم على «أن طريق الألف الميل يبدأ بخطوة» هي «تاتا.. تاتا» دون ملل.
فأكل التمر «حبة.. حبة» وإغناء المتعففين عن السؤال «تاتا.. تاتا» ومرحلة مرحلة وشيئا فشيئا، ولو اقتنع كثير بذلك فلن تعرف أحلام الضعفاء مستحيلا، ولوجدنا ألف شركة تبني بيوتا لذوي الدخل الضعيف، وألف شركة تصنع سيارات لأهل الرواتب المحدودة.
ليس مثالية ولا تنظيرا ابتكار ما يناسب كل الرواتب، وإلا فكيف فكر الهنود في الفقراء لتحقيق حلم مزدوج يشمل
قضاء حوائجهم والربح الذي تخطى حدود أوروبا؟
عندما تسمع الأم تقول لطفلها وهي تعطيه أصبعا من يدها يقبض عليه بكفه الصغير «تاتا.. تاتا» فتلك بداية الدرس العملي للتدريب على استخدام القدمين الناعمتين في المشي تمهيدا لمشوار الحياة الطويل، ولعل هذا الحرف «التاء» الممدود «بالألف» له وقع السحر على مشاعر الأطفال حديثي العهد بالوقوف، فابتسامة الطفل وضحكاته العفوية عندما يسمع «تاتا.. تاتا» عالمية الإعجاب.
من هذا تذكرت ما يمر على الأطفال من محاولة وتعثر ووقوف وسقوط وفشل ونجاح وتجارب لا يملون من تكرارها والمغامرة بها مهما تعددت النكبات، وتذكرت كيف هي الكلمات الناعمة والدالة على الحال موغلة في ثقافة الإنسانية، ولذلك عندما سمعت قبل سنوات بخبر الشركة الهندية الواعدة «تاتا» وأنها أطلقت مشروعا جديدا أسمته «البيوت السعيدة» تسعى من خلاله لتوفير قيمة أقل ومنافسة جدا للفقراء وذوي الدخل المحدود لبناء المساكن يتراوح بين ثمانية آلاف إلى أربعة عشر ألف دولار عادت بي الذكرى إلى «تاتا.. تاتا» الأرجوزة.
وتفهمت بأن الشركة تهدف لأن يخطو الفقير خطواته الأولى نحو الحياة بشيء من الإعانة والأراجيز المحفزة، لتوفر له أرخص سيارة في العالم، ثم أرخص منزل في العالم، وهذه الثقة في النفس لشركة «تاتا» تجعل فواتح الخير ونوافذ الفرج معقولة لفقراء العالم، في تحدي غلاء المواد الأولية وارتفاع أسعار الأيدي العاملة، وفي اختلاف عن الذين لا يعنيهم فقير يسكن أو مسكين يحلم بدراجة.
كيف استطاعت «تاتا» أن تنفرد في مجال يعج بعبادة الأرباح وشح الإنفاق وقلة النظر للطبقة الكادحة؟ وكيف وصلت «تاتا» لهذه الإمكانية وسط الأزمات المالية الضيقة وتسارع الاستثمارات العملاقة فيما لا يفيد طاعنا في السن يفكر في توفير خبز لأبنائه، أو أرملة تحلم بغرفة من خشب أو صفيح تحميها من انهيارات أرضية أو فيضانات مائية؟ وكيف سلمت من أعداء الإنسانية ومعوقي المشاريع الفاعلة؟
ما يجمع بين ألسنة الشعوب هو الشعور ووصول المعنى، فلا تعني الحروف شيئا ما لم تحمل في بطنها مضمونا يشترك فيه الصيني مع البلغاري والهندي مع التنزاني والعربي مع الأسترالي، ويشترك فيه من يملك قصورا في «نيس» مع من يزرع القطن بصعيد مصر، ويجتمع فيه من يدير شركة «فورد» مع من يبيع أوراق اليانصيب في أزقة دمشق وشوارع كولومبو، لذلك فعودتهم لتعلم الخطوة الأولى نحو حياة أفضل ومعيشة مثلى بصيحات تتعالى من الجميع لهم «تاتا.. تاتا» أمر في غاية الأهمية لتستقيم المعادلة.
فينا شيء من استعجال، نقفز دون لياقة بدنية، ونثب دون زانة، ونشطح بغير تدرج في النمو والتطور، فلا هي كلمة «تاتا.. تاتا» أغرتنا فننتظر حتى تثبت الأقدام على سطح معيشة اقتصادية بسيطة ثم عادية ثم متحسنة ثم مرضية ثم مرفهة، وإنما أعجبتنا كلمة بعض الآباء المتعجلين لجريِ أطفالهم قبل أن يمشوا ويقولون لهم «هبا .. هبا» دون أن يمروا على «تاتا.. تاتا: فيحبطون.
والقاعدة تثبت بأن من لم يبدأ من نقطة لا يصل إلى نقطة بعدها، وبأن مراعاة القدرات والمقدرات والثروات وعدد السكان وديانتهم ومهاراتهم وخرائط تكوينهم البيولوجية والفيسيولوجية هي أولى الأرضيات الصلبة التي منها ينطلق أطفال الشركات وصغار المشروعات وفسائل البنوك الداعمة للفقراء والمحتاجين في العالم، فالحياة الكريمة ممكنة للجميع، ولكن «تاتا.. تاتا».
للهنود الأعزاء نظرة وخصوصية عاطفية حنونة بأطفالهم رغم كثرة عددهم وتزايد الفقر فيهم، فاستطاع رواد منهم أن ينشئوا للفقراء مصرفا يقرضهم ويرعى أحلامهم، وشركات مثل «تاتا» تشعرهم بأن لهم الحق في مأوى ومركب وملبس، في درب بطيء وعبقري، قائم على «أن طريق الألف الميل يبدأ بخطوة» هي «تاتا.. تاتا» دون ملل.
فأكل التمر «حبة.. حبة» وإغناء المتعففين عن السؤال «تاتا.. تاتا» ومرحلة مرحلة وشيئا فشيئا، ولو اقتنع كثير بذلك فلن تعرف أحلام الضعفاء مستحيلا، ولوجدنا ألف شركة تبني بيوتا لذوي الدخل الضعيف، وألف شركة تصنع سيارات لأهل الرواتب المحدودة.
ليس مثالية ولا تنظيرا ابتكار ما يناسب كل الرواتب، وإلا فكيف فكر الهنود في الفقراء لتحقيق حلم مزدوج يشمل
قضاء حوائجهم والربح الذي تخطى حدود أوروبا؟