بندر الزهراني

غابت الأفهام فسقطت في الأيدي الأختام!

الأحد - 13 يونيو 2021

Sun - 13 Jun 2021

منذ أن بدأت كتابة مقالاتي الأسبوعية والتي عادة أتناول فيها موضوعات إدارية متنوعة، تخص الشأن الأكاديمي، وأطرح من خلالها وجهات نظري بكل جرأة واستقلالية، وبكل تجرد وشفافية، ودون اعتبارات أو مجاملات لأحد، سواء كانت شخصية أو مؤسسية، وأنا أشعر بمضايقات متفاوتة، يتوارى أصحابها خلف أستار باهتة من التصرفات التافهة واللامسؤولة، مضايقات؛ بعضها تافهة كتفاهة الشخص الصادرة منه؛ وبعضها محاولات صبيانية لإسكات صوت النقد الهادف؛ وكثير منها يأتي في الخفاء على شكل أصوات مزعجة كأصوات الصراصير أو خفافيش الظلام!

تخيلوا معي! لا، ليس خيالا، بل هو واقع أقرب إلى الحقيقة منه إلى الوضع والاختلاق: قيل لي - والله أعلم - أن أحد الأشخاص بإحدى الجامعات حاول بشكل أو بآخر، وبما يملكه من صداقات وعلاقات عامة أو ضغوط شخصية وجهوية، التأثير ما أمكنه لئلا ترى مقالاتي بصيص النور وتخرج للناس! مع أنني في كل مقالاتي لا أسيء لشخص بعينه أو أتعرض لجهة محددة بذاتها، الغريب أن هذا الشخص نسي أنه يحمل بعض أثقال تسمى - مجازا - دكتوراه في الإعلام!

قبل أيام جاءني طالب يرغب في الحصول على إفادة رسمية تفيد بحضوره أحد الاختبارات، لغرض ما يحتاجه هو خارج الجامعة، فأبلغته أن الطالب أو الجهة التي طلبت الإفادة توجه طلبا لعمادة القبول والتسجيل أو لرئيس القسم، والرئيس بدوره يوجه استفسارا لأستاذ المادة عن وضع الطالب، فيرد الأستاذ بما يؤكد حضور الطالب من عدمه، ويرفق مع رده إن لزم الأمر كشف الحضور، ثم بعد ذلك تتولى إدارة القسم استكمال باقي الإجراءات، واعتذرت - كعادتي - للطالب عن هذه السلسلة من العمليات الأكروباتية الناجمة عن البيروقراطية المتغلغلة في صلب العمل الجامعي.

المشكلة ليست هنا، ولا في رفض القسم منح الطالب الإفادة التي يريدها، أو تأييد عميد الكلية للرفض، ولا حتى في جهل الإداريين بالنظام، فهذا أمر يحدث بشكل اعتيادي في المؤسسات البيروقراطية، ويمكن إصلاحه باتباع وسائل إدارية حديثة، وبشيء من الحزم والصرامة في متابعة ومحاسبة المسؤولين، ولكن المشكلة تتلخص في التوقف الرسمي المتكرر، والتدقيق المستمر في كل صغيرة وكبيرة تأتي من عندي أو لها علاقة بي، ليس لإجرائها مجرى النظام وإنما لاقتناص الفرصة في التضييق ما أمكن، وأنى لهم ذلك!

وبغض النظر عن الدوافع الاستفزازية المتكررة التي بدأت أعرفها وأعرف أغراضها، وجهت خطابا الكترونيا لرئيس الجامعة أطلب منه «مازحا» صرف أختام رسمية يستخدمها عضو هيئة التدريس في مثل هذه الحالات، على الأقل كي لا يقع أمثالي في إشكالات من الأخذ والرد، ومن وراء هذه المزحة الخفيفة كنت أريد القول: إن جودة فهم النظام تأتي متلازمة مع أمانة حمل الأختام، ولذلك كانت هاتان الصفتان صنو بعضهما في الموظف الكفء، فإن غاب عنه الفهم أسقط في يده الختم.

قد لا يدرك المقصود بالنقد أن هدف الناقد وغايته الإصلاح، وقد لا يعي أن الناقد الجيد يتحرى أثر نقده الإيجابي كما يتحرى المؤمن رؤية هلال رمضان، وأن النقد الجيد لا غنى لأي مؤسسة تعليمية عنه، فبه تقوّم اعوجاج سير عملها، وبه تستدرك أخطاءها، وتتنور بما يطرح منه وتستمر في البناء والعطاء، ومنه تستمد وقودها وذخيرتها، ولولا هذه الأهداف النبيلة للنقد لاشتغل النقاد كل أوقاتهم بقراءة القرآن وشرح أمهات الكتب والاستمتاع بدرر الأدب ولآلئه.

قيل لي: يا أبا خالد أنت بهذه الطريقة تسير عكس التيار، فقلت: بل تيارهم الشاذ يسير عكس الفطرة، والغلبة للفطرة السوية والأخلاق الحسنة، مهما تعاظمت قوة هذا التيار ومهما بلغت منافذه أو كانت روافده، ولولا أن الرمح غال والفريسة - أكرمكم الله - ذباب لخصصت لكل أكاديمي فاسد مقالا يكشفه على رؤوس الأشهاد، فما أنا والوزير إلا كالسبابة والوسطى، هو يحارب فلول الرجعية ومقاومة التغيير، وأنا أحارب صورا من الفساد الأكاديمي لا تنتهي!

drbmaz@