محمد النفاعي

البوصلة الإدارية وطائر القطاة

الاثنين - 07 يونيو 2021

Mon - 07 Jun 2021

قبل اختراع البوصلة كان الناس يعتمدون على فراستهم ومعرفتهم بمواقع النجوم السماوية أو بمراقبة الشمس والظل أو برؤية المعالم والمواقع الظاهرة، للاستدلال على الاتجاهات وقطع المسافات والسفر برا وبحرا، في حالة عدم امتلاكهم هذه المهارات كانوا يعتمدون على من يملك هذه المعرفة الخاصة، بل قد يصل الأمر إلى دفع مبالغ كبيرة والاستعانة برجال أدلّاء ذوي خبرة ومهارة ودراية بالطرق. بعد اكتشاف البوصلة تنامت فرص الكثيرين لتحقيق مساعيهم في الاستطلاع والتنقل، مما ‏زاد فرص النجاح لديهم بسبب النمو المعرفي في تحديد ما يريدون.

مما لا ريب فيه أن بيئة العمل والمجتمع الوظيفي جزء لا يتجزأ من حياتنا، حيث يعتمد الكثير من الموظفين على خيارات بوصلة رؤسائهم للقيام بمهمة استكشاف رغباتهم وتحديد اتجاهاتهم المهنية المستقبلية، لذلك من المهم أن يملك الإداري بوصلة تعمل بدقة وإلا فسيوجه المرؤوس إلى الاتجاه الخاطئ.

الجدير بالذكر أن هناك قلة من الإداريين الذين ليس لديهم الاهتمام بتفعيل خيار البوصلة الإدارية كما يجب. الأدهى والأمر من ذلك عندما تُعطل هذه البوصلة ‏قصدا لأسباب مختلفة، سواء كانت مهنية أو شخصية، أو أن تكون مهارة استخدامها وتوظيفها غير موجودة أصلا لدى هذا الإداري! السؤال هنا إذا لم تكن البوصلة الإدارية مفعلة أو مفقودة، كيف يكون الوصول للهدف؟

في مثل هذه الحالة من الضروري أن يفطن المرؤوس لهذا الأمر مبكرا، ويتدارك وضعه الوظيفي قبل فوات الأوان. كخطوة أولى‏ تقع عليه شخصيا مسؤولية تحديد وحسم وجهته ومساره ومرامه الوظيفي في وقت مبكر، وذلك بالتيقن من اهتماماته المهنية. من المؤكد أن هذا الأمر قد يستغرق بعض الوقت، ولكنك كموظف لا تمل من تكرار المحاولة للقيام بذلك. إحدى الطرق الناجحة هي وسم نفسك بأحد أنواع المعرفة المحببة لديك والتركيز عليها عن طريق إتقانها والتميز فيها، بعد ذلك يتحتم عليك كموظف الاعتماد على بوصلتك الخاصة بك، لا تقلق فستجدها مع مرور الأيام واكتساب الخبرات ممن حولك، المهم ألا تستكن للوضع مهما طال الزمن حتى لا تغوص تدريجيا في مرحلة الاحتراق الوظيفي.

شخصيا، في جلسات التقييم والتدريب الدورية واظبت على سؤال بعض الموظفين الأكفاء سؤالا فحواه أين تجد نفسك بعد 5 سنوات من الآن؟ تفاجأت كثيرا من إجاباتهم لأن أغلبيتهم كانوا لا يعرفون أو ماذا يريدون! فأقول لهم إن كنت أنت لا تعلم الوجهة أصلا! كيف تتوقع أن تساعدك بوصلتي الإدارية لقيادتك إلى وجهتك! هنا نبدأ العمل معا لتحديد الوجهة المناسبة للموظف وللمؤسسة كأولوية.

من جانب آخر هذا لا يخلي مسؤولية الإداري القائد من اكتشاف الوجهات المناسبة للموظفين مبكرا، من خلال تعامله اليومي معهم. هذا يعد من صميم عمل القائد بلا ريب، كما قال ليوري إيمز «القائد هو الشخص الذي يرى أكثر مما يراه الآخرون، وأبعد مما يراه الآخرون، وقبل أن يرى الآخرون». إبان حياتي العملية مر علي الكثير من اليافعين الذين كانوا يحتاجون فقط تفعيل خيار البوصلة الإدارية ومن ثم استشراف توجهاتهم المستقبلية.

أتذكر أحدهم جيدا، فقد كان لديه شغف في مجال معين يتعارض قليلا مع مهمة القسم لدينا، لم أمنع هذا بل شجعته على الحصول على شهادات تخصصية فيما يرغب ما دامت لا تتعارض مع ما لديه من مسؤوليات ومهام، بعد مدة استيقن ماذا يريد أن يكون وماذا يبتغي كمستقبل وظيفي، فحصل على المساعدة للانتقال إلى مكان آخر يناسب طموحاته وإمكاناته، أبدع وخدم مؤسستنا على أكمل وجه، هذا النجاح لهذا اليافع هو نجاح لكل إداري ‏استفاد من البوصلة الإدارية لديه على أكمل وجه وصار «أهدى من قَطَاة» كما قالت العرب في الأمثال كناية عن الهداية للطريق الصحيح، بل لما لا نكون

مثله، في تقديم المساعدة للآخرين، حيث شكا له قيس بن الملوح حزنه على فراق ليلى ولم يتخل عنه بل أبدى استعداده لإعارته جناحيه للوصول إليها. يقول قيس:

شكوت إلى سرب القطا إذ مررن بي

فقلت ومثلي بالبكاء جدير

أسرب القطا هل من معير جناحه

لعلي إلى من قد هويت أطير

فجاوبنني من فوق غصن أراكة

ألا كلّنا يا مستعير مُعير

وأيّ قطاة لم تعرك جناحها

فعاشت بضر والجناح كسير

ختاما نقول، إن البوصلة الإدارية هي أحد أهم المهارات القيادية، التي تطرق لها بالتفصيل جون سي. ماكسويل في كتابه «21 قانونا لا يقبل الجدل في القيادة»، حيث سماه «قانون الملاحة»، حيث صنفه في المرتبة الرابعة من حيث الأهمية.

msnabq@