ياسر عمر سندي

لا تقتل المتعة يا مسلم

الأربعاء - 02 يونيو 2021

Wed - 02 Jun 2021

المتعة وما أدراك ما المتعة قتلها أو إحياؤها ضرورة ملحة للبشر، وفي علم النفس تعتبر حالة من الشعور واللاشعور بالنشوة التي تنتاب الإنسان في جميع جوانبه المعنوية والمادية، فالبشر خليط من الروح والجسد وتعتبر المتعة من أقوى الدوافع النفسية والاجتماعية المحركة للكائن البشري، وأيضا هي العنصر الرئيس الذي يساعد على البقاء والاستدامة.

المتعة نزعة بحد ذاتها ونعمة منحها الخالق لخلقه، ونحن البشر بعقولنا وإدراكنا محاسبون بحسب توجهنا إليها التوجه القويم وتوجيهنا إياها التوجيه السليم، وللمتعة أنواع في معناها العام تنعكس سلوكيا على البشر بطريقتين مختلفتين، الأولى من حيث طريقة الإشباع، والأخرى من حيث كيفية الانتفاع، وهي كذلك تأتي على مستويين، الأول الشخصي اللازم على الذات، والثاني المتعدي العام على الآخرين، وأيضا هنالك المفهوم المعنوي الدائم، والمفهوم المادي الموقت.

للمتعة جانب إيجابي عميق، فهي تتحول من اللاشعور الباطني الخفي أي من خلال الأفكار والتحليل والتصور والخيال إلى الشعور الظاهري الجلي في الممارسة السلوكية، وهي قمة الرقي في الإشباع الروحي التي يطلق عليها «متعة الإيمان والاطمئنان» فلا توجد لذة توازي تلك المتعة التي بها يهدي رب العباد عباده، ومن خلالها تعلو القيمة والقامة الإنسانية التي تسعى إليها كل البشرية، وهذه المتعة علاقتها طردية مع الفرد المسلم، فكل ما تم الصرف الروحاني عليها يزداد الشرف بالراحة مع الله في اليوم والليلة ومن زاد منها ازداد بها.

وقد تكون المتعة مادية وسلبية مفرطة إذا كانت ضمن دائرة الانتفاع الوقتي والمصلحي، وهي التي تحتاج إلى أدوات التقنين والتأطير الشرعي والنفسي والمجتمعي لتنتقل إلى دائرة المباح لتلبية الاحتياجات والرغبات كمتعة الطعام والشراب والجنس والمال والمجوهرات والتملك والمنصب والجاه وغيرها الكثير من المتع الملموسة الحسية التي يمكن أن ينتفع منها الإنسان وقتيا قال تعالى في متعة الحياة بأنها غرور «وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور» 185 آل عمران، وفي موضع آخر بأنه مهما كثرت هذه المتعة وزادت فهي قليلة بحجمها الشعوري المادي «قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقىٰ» 77 النساء، وفي آية أخرى تشير المقارنة إلى أن المتعة المادية الدنوية لا تساوي شيئا أمام الآخرة «فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل» 38 التوبة، وقال عليه الصلاة والسلام «الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة» وهي متعة السكن النفسي للزوج والتربوي للأبناء.

ومن حيث آلية عمل المتعة تحدث عنها الأستاذ الجامعي وعالم الأعصاب الأمريكي البروفيسور ديفيد لندلن في كتابه «بوصلة المتعة» وذكر أن المتعة تحصل للإنسان عن طريق التأثر أو التأثير الحسي المدرك أو المعنوي غير المدرك من خلال عدة نشاطات تقوم بتحفيز هرمون كيميائي معين في منطقة عضوية داخل المخ تعرف بدائرة المتعة في دماغ الإنسان وتصل به إلى حد الانتشاء والتي بدورها تقوم ببث إشارات عصبية تلتقي وتشكل نقاطا متقاربة صغيرة من الخلايا العصبية يتم الإحساس بموجبها بشعور المتعة في أقصى درجاتها، والتي قد تؤدي إلى الإدمان في كثير من الأحيان.

فيمكن حث البشر عن طريق خانة المتعة للوصول إلى أهداف عشوائية، وأيضا محددة لاستفزاز المخ نحو أحداث ردات فعل سلوكية تظهر من خلال التصوير المقطعي للدماغ عند القيام بأعمال روحانية مستدامة وكذلك مادية موقتة تنعكس باستجابات فورية أو متأخرة تؤثر في خانة دوائر المتعة وهي الجزء الأكثر أهمية والتي تفسر علميا طريقة عمل المتعة وما تحدثه من طقوس وتصرفات.

البشر بطبيعتهم ينزعون إلى جلب المتعة إليهم، ويهتمون أيضا بدفع الضرر عنهم، وجانب المتعة نفعي كما أسلفت، وهذا يعتبر فطرة طبيعية للحياة البشرية، ولكن يظل الأمر قيد التحكم الإدراكي لكل سلوك يجلب هذه النعمة التي تسمى بالمتعة لتشبع العقل قبل النفس وغريزة الإنسان تميل لاتباع المتعة فلا تقتلها يا مسلم بل اضبطها لتسلم.

@Yos123Omar