شاهر النهاري

أهون موجود وأعز مفقود

الاثنين - 31 مايو 2021

Mon - 31 May 2021

عصارة الغيوم، وسيح جبال الجليد ونقاء مسارات الأنهار والأودية ونبض الينابيع الصافية، يخلق معاني انبع الحب والنماء والعافية، ثلاثة أرباع سطح الكرة الأرضية، وجماليات أجوائها وكينونة جوهريات أحيائها وضخامتها، خارم الصخر، عامل ترطيب الخشونة وتبريد السخونة ومحو الجفاف.

لطراوة في الجسد البشري، وكل ذلك قبل أن تشوه أزلية روعته التجارة الجشعة العمياء، بالتمادي وتجاوز مسألة الترشيح، والتطهير لمياه الشرب، إلى مسخ أغلب خواصه الطبيعية من الأملاح والمعادن وما يفيد الحياة والنشاط، وصفاء المخ وعنفوان أجهزة الجسد وأعضائه.

منافسة صناعات المياه سلبت البشر طعم وفائدة وروح المياه الطبيعية، بعد غربلة وتخثير وترسيب، وتقطير وتطهير، وأسقتهم الماء المقطر المسلوب من روح الحيوية ومكونات الطبيعة، بحبسها في كآبة قوارير البلاستيك، التي تغير طبعه ولونه وفائدته، وتسرق حقوقنا بالتنعم بالعيش الصافي، وتؤكد إصابتنا بالأمراض ولو بغفلة تعرض البلاستيك لحرارة أو شعاع شمسي، أو تأخر في استعمالها، فنشرب شظايا من البلاستيك والبتروكيماويات الفائقة الصغر، ندمر بها أعضاءنا وأجساد أبنائنا بأيادينا وأموالنا.

حكومات الدول المتقدمة قامت بالتعامل مع المياه الطبيعية بكل محبة، وخزنتها في مستودعات نقاء فسيحة تحت شعاع الشمس، ورشحتها، وقتلت ما فيها من جراثيم، ثم أوصلتها بأمانة وبكامل مكوناتها الطبيعية باردة إلى كل بيت، وكل شارع بالمجان، باعتبارها حقا من حقوق الإنسان، ولا يمكن طلب ثمنا لها!

ولافتتان البشر بالمياه وسحرها وألغازها في عمق التاريخ، وجدنا في أغلب البلدان سمعة لنوع من المياه الطبيعية طالتها المبالغات، وخالطها التقديس، وانتثرت حولها القصص المبهرة تؤكد اختلافها عن سائر مياه الأرض، ولا غرابة أن نجد من يتكسبون بمفهومها الديني الغامض، ورفعها لدرجات التمييز باحتواء ديني تجاري يشيع حولها حكايات الشفاء من أمراض مستعصية، وبيعها بأغلى الأثمان للعليل الباكي، وترحيلها لأطراف الأرض، مع رفض القائمين عليها مغبة تعريضها للبحث العلمي من قبل الجامعات ومراكز البحوث المحايدة ليستمر الوهم بغزارتها وإعجازيتها، ويدوم الارتزاق من خلف غموضها.

أما مياه تحلية البحار فهي مجرد سائل مقطر، وهو يحتاج للتدعيم بالأملاح والمعادن الحيوية المشابهة لما يوجد في مياه الطبيعة، ويبدو أن الأغلبية منا مصابون بالرهاب من كل طبيعي، والجنوح لكل صناعي مزيف.

من حولنا طغى استخدام العبوات البلاستيكية، وتعاظمت دعاياتها لتحرم الجيل الحالي من حقه بالتمتع بالمياه الطبيعية، وحوز حياة أفضل وأسلم وأكثر صحة.

وزارة البيئة والمياه والزراعة بالسعودية، تحتاج إلى رؤية جديدة، ومفهوم مائي أصيل، وجهود علمية متقدمة لتطبيع مياه التحلية في واقع وعقول الجيل، بعد دراستها وتنقيتها وتزويدها بما يجعلها أقرب للطبيعة، ونشر المنصات الباردة لها في الشوارع، والتأكيد في دعايات الوزارة وموقعها الرسمي على أنها الأفضل للجسم البشري من أي زجاجات مياه تخدعنا برونقها وإحصاءاتها.

عمل لا شك سيغضب أهل مصانع المياه، ولكن الأمر يستحق بعض الحقيقة والصرامة، حتى نبلغ عافية وصحة أجساد فيها من الحياة والطبيعة الصفاء والشحنات الإيجابية، ما يعوض ما سلبتنا إياه تلك العبوات المغشوشة، والتي نرضعها بشغف فرحين ببرودتها، وهي لا تغني عن عطش عضوي، ولا تنفع صحة جسد ولا روح، بل إنها تبدع في تدمير البيئة حينما تطمر زجاجاتها فيها، فلا تتحلل سمومها قبل خمسة قرون من الزمن!

shaheralnahari@