بندر الزهراني

التدرج في التطبيق لا التعثر في الطريق!

السبت - 29 مايو 2021

Sat - 29 May 2021

‏العقل والفكر والعلم ألفاظ يمكن أن تستخدم بالتبادل لدلالة كل واحد منها على الآخر، ولكن الترتيب فيما بينها أمر مهم عند التفريق في المفهوم، فالعلم يأتي أولا، فإذا بلغ مبلغه في نفس طالبه تحول إلى فكر في المعلوم، فينضج العقل، ولا يبلغ العقل منتهاه إلا بهما، وعلى مقدار العلم المتحصل تتفاوت الأفكار والأفهام، ولا يقصد بالعلم التحصيل والدراسة فقط، ولا بالعقل مجرد التمييز، فكم من دارس لم تنفعه دراسته، وكم من عاقل استهوته الظنون في الأرض حيران!

فالوعي مثلا وهو أثر للعقل لا يتشكل بالطاعة والاتباع، ولا بمجرد المعرفة أو العلم بالشيء وإنما بعد الحصول على المعلومات تأتي عملية البناء بالتفكر والتأمل، ثم تعقبها عملية اتخاذ القرار المنوط بالعقل، ولذلك نجد في القرآن الكريم قول الحق جل وعلا (كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون/ يتفكرون/ يعقلون) في سور الأعراف/ يونس/ الروم، وهذا يعني أن التفاصيل العامة والدقيقة لا تتأتى إلا بالعلم والفكر والعقل، ولو اجتمعت كلها في شخص واحد أو في مجموعة من الناس لحضرت عندئذ الحكمة.

و‏اتخاذ القرار الجيد يعتمد أساسا على معرفة ظروف حالة القرار تحت الدراسة والأحوال المحيطة بها، وعلى الأسباب التي دعت إلى القرار نفسه، وحالة القرار لا تخرج عن ثلاثة: إما يقينا تاما وإما ظنا مربوطا بمخاطر نسبية، وإما غموضا تتعذر معه الرؤية، وفي كل الأحوال وجود البدائل المتاحة أمر إيجابي يعزز من فرص اختيار القرار، ومتى ما توفرت المعلومات الدقيقة عن كل بديل كان الاختيار مرنا وأدعى للتطبيق.

وحتى تكون قرارات وزارة التعليم المتعلقة بالتقويم الدراسي الجديد قابلة للنقاش ومادة جيدة للنقد يجب ألا تخرج عن التوصيف الذي ذكرناه آنفا، خاصة أنها قرارات رسمية، وتمس واقع شريحة كبيرة من الناس، وفي الوقت نفسه تتعلق بمستقبل أجيال تبني عليها الدولة آمالها وتطلعاتها، وكنت أتساءل، حالي حال غيري من المهتمين بالشأن الأكاديمي، عما إذا كانت التعديلات الجديدة كإقرار نظام الفصول الدراسية الثلاثة في الجامعات - على وجه الخصوص - سيكون ناجحا ومفيدا أم أنه مع مرور الوقت سينهار كما انهارت على إطلاله أنظمة السنة التحضيرية!

الوزارة خرجت تقول - على لسان أحد وكلائها - إنها أجرت دراسات قبل اتخاذ القرار، لم تفصح عنها أو تنشرها بعد، وبغض النظر عن الإفصاح من عدمه، وبعيدا عن نشرت أم لم تنشر، فمجرد اتخاذ القرار ينفي عنها مسألة الجهل بحالة القرار وبما سيلحقه من تبعات وآثار، سواء كانت إيجابية أو سلبية، ذلك لأن دراسة الشيء تقتضي لا العلم به فحسب بل والتنبؤ بمآلاته وما تترتب عليه من قرارات لاحقة وخطط مستقبلية تبنى على أساسه.

والملاحظ على الوزارة أنها على غير عادتها لم تتدرج في تطبيق القرار هذه المرة، كأن تطبقه ابتداء في مدارس نموذجية محددة، وفي جامعتين أو ثلاث، ثم بعد ذلك تتدرج في عملية التطبيق على مراحل، بل هي تحلت بالشجاعة في إقراره وكفى، والشجاعة في اتخاذ القرار أمر جيد بلا شك، إلا أن القرارات كلما تعرضت للرأي والرأي الآخر كلما ازدادت قوة ومتانة، وكلما كانت أجدى نفعا وأكثر وقعا، وإلا فالشجاعة وحدها لا تكفي وقد تخذل صاحبها، فالرأي قبل شجاعة الشجعان كما يقول المتنبي!

ولم يكن لافتا للانتباه - على الأقل من وجهة نظري - تسابق رؤساء الجامعات كالعادة للاحتفاء بالقرار وتقديم المباركة والتهاني، دون الإشارة حتى للكيفية التي سيتعاملون بها على سبيل المثال في تطبيق قرار الفصول الدراسية الثلاثة! وربما تشهد الجامعات تجارب محفوفة بالفشل - لا سمح الله - في عملية إعادة توزيع المناهج وتغيير الخطط الدراسية بما يتسق مع الجدول الزمني للفصول الثلاثة، وهذا قد يعيدنا إلى المربع الأول في مسألة الاعتمادات والجودة!

لا أحبذ التشاؤم في هذا الموضوع ولا في غيره، ولا سيما أن المسؤول يجتهد بما يملكه من رؤية وخبرة ميدانية كافية وبما استؤمن واستحفظ عليه، ولا أحبذ الحكم على الأشياء مبكرا، إلا أنني دائما ما أتوجس خوفا من عدم نجاح القرارات المصيرية في الحقل التعليمي، خاصة في الجامعات، لأننا ما لم نتوسع في صناعة القرارات الأكاديمية وفي تعظيم دائرة الفكر الحاضنة لها سنضيع جزءا كبيرا من أوقاتنا ونؤجل ربما أجمل طموحاتنا.

drbmaz@