محمد الأحمدي

في بيتنا جاسوس

الثلاثاء - 25 مايو 2021

Tue - 25 May 2021

نبدأ وإياكم بكلمة جاسوس التي تدل على من يقوم بعمل جمع معلومات عن فرد أو كيان بطريقة سرية ونقلها لجهة أخرى للاستفادة منها. الجاسوسية الحديثة تجمع البيانات الكافية بطريقة عملية ومنطقية قليلة الخطأ لاعتمادها على التقنية التي تحتفظ بسجلات الأفراد، وتقوم بدراسة السلوك الفردي بشكل تكاملي، ثم تشكل نمطا لكل شخص تتبعه، راسمة خريطة يومية متكاملة ومتزامنة حول نشاط الفرد أو الأسرة أو المجتمع بأسرة.

هنا يأتي التأثير بالغا في توجيه قرارات الناس اليومية البسيطة التي تجعلك تختار مطعما عن غيره بسبب تكرره عليك في الدعاية اليومية التي لا تفتأ الانفكاك عن أي موقع تتصفحه في أجهزتك المختلفة لقرب ذلك المطعم من مقر سكنك مثلا، أو بسبب زيارتك له ذات مرة، فاحتفظ بسجلاتك وبدأ يستهدفك بالدعاية والإعلان المتكرر.

ووصل الحال إلى الحقل الأكاديمي في بعض المنصات الأكاديمية حيث تبدأ دراسة سلوكك البحثي المستمر ثم تشكل منه نقطة اهتمام والبدء في إغراقك بالإيميلات اليومية المقترحة حول قضايا كانت نقطة اهتمام في مرحلة من مراحل بحثك.

وعلى الرغم من أن في هذا شيء إيجابي لمتابعة الجديد إلا أنه مزعج في إغراقك بالكم الكبير من البريد اليومي.

لكن التأثير الأكبر عندما تؤثر في القرارات الكبرى التي تتعرف على سلوكيات المجتمعات وتحدد نقاط القوة والضعف لديها والعمل على توجيه الأفكار نحوها مباشرة، أو استهدافها بشكل تخطيطي لتحقيق أهداف خارجية للمجتمعات لاسيما في أن مراكز حفظ تلك السجلات عالمية، وهذا ظهر بوضوح في الحملات الموجهة إبان ثورات الربيع العربي.

إن مبدأ حماية الخصوصية الفردية التي تضعها المواقع والتطبيقات مبدأ في أصله وضع لحماية المؤسسة من الملاحقة القانونية عند انتهاك الخصوصية الكبرى، ويغض الطرف عن الخصوصية الدنيا مثل مشاركة البيانات العامة كنوع الهاتف، ونظام التشغيل، والموقع الجغرافي لهدف التسويق والدعاية. ومع أن تزايد الحاجة للخدمات المقدمة للأفراد في ظل جائحة (كوفيد-19) بسبب الحظر والاعتماد على التقنية في توفير الاحتياجات فإن الفرد يجد نفسه أمام الانصياع لسياسية الخصوصية والموافقة على الانضمام لتلبية الحاجة.

وبهذا تخرج المؤسسات من دائرة الملاحقة القانونية، ويحمل الفرد مسؤولية ذاته وفقا لمبدأ الرأسماليين القانون لا يحمي المغفلين، ولكن هذا كله محسوب على سلوكه الرقمي، وبالتالي فإن الفرد يبقى مستهدفا بناء على نشاطه المفضل في العالم الرقمي، وبياناته سلعة مشاعة.

وردتني إيميلات في صباح هذا اليوم من شركة استشارية ووكالة عقارية خاصة تهتم بشأن الشرق الأوسط ولها عدة مكاتب بدول الخليج العربي، وعند سؤالهم عن كيفية معرفة بياناتي الدقيقة وإرسال بريد شخصي يحمل اسمي الثنائي أفادوا بأنهم حصلوا على بيانات مجموعة من الكتاب الصحفيين في منطقة الشرق الأوسط عبر وسيط من الوسطاء لم يسموه.

حقيقة لم يصبح في بيتنا جاسوس واحد، بل باتت جواسيس متعددة تشارك بياناتنا وبيانات أفراد أسرنا وتحاول تدرس سلوك العوائل وتشكل منه نمطا في التسويق والتجارة وتوجيه سلوك الفرد نحو الاستهلاك الموجه.

في 2019، أثيرت قضية على مستوى المجتمع البريطاني في بيع السجلات الطبية من المراكز الصحية البريطانية إلى شركات أدوية أمريكية لإجراء الأبحاث متزامنا مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بكلفة قدرت بنحو 10 مليارات جنيه إسترليني، دون العودة إلى الأفراد وأخذ موافقاتهم الفردية في عقب دار الديمقراطية المجتمعية على الرغم من رفض الحكومة البريطانية لهذه المزاعم. ولكن حقيقة الأمر نظام الصحة البريطاني مخصخص، وتدير الشركات العملاقة علمية التشغيل للمراكز الطبية؛ ونظام الخصخصة يحاول أن يقلل التكاليف، ويحقق المكاسب المالية والجودة الخدمية وبالتالي لا غرابة أن يستثمر في البيانات الصحية إن أدت إلى تحقيق رفع الجودة المالية والعلاجية للمستهدفين. على سبيل المثال شركة أمريكية واحدة للتأمين الصحي في الأسبوع الماضي استحوذت على تشغيل 37 مركزا صحيا في المملكة المتحدة على حسب مجلة Private Eye.

وبغض النظر عن صحة ذلك، فإن الجدل حول مشاركة بيانات الأفراد أصبح حديث الأفراد والمنظمات الحقوقية المهتمة بالشأن الاجتماعي لحماية المجتمعات من انتهاكات الرقمنة الحديثة لا سيما بتطور الأساليب وسهولة معرفة تفاصيل الفرد بمجرد ارتباطه بالشبكة العنكبوتية تزامنا مع الاندفاع الجارف للمجتمعات نحو الخدمات الرقمية الفريدة أو الخاصة في ظل جائحة (كوفيد- 19).

alahmadim2010@