بندر الزهراني

معالي الوزير.. ظنون العاقل كهانة!

السبت - 22 مايو 2021

Sat - 22 May 2021

كنت أرجو أن كل ما نكتبه من آراء وملاحظات عن الجامعات والشؤون الأكاديمية يتمحور حول نجاحات واقعية وإنجازات حقيقية تحققها الجامعات المحلية، كأن تكون ملاحظاتنا إشادات بما تحقق وأنجز أو ثناءات على أداء ومستوى القيادات الأكاديمية أو أنها على الأكثر تكون استدراكات بسيطة وتعديلات خفيفة لما وقع سهوا أو غاب عن الظهور لاشتغال مكانه بحركة نجاح آخر، ولكن -لسوء الطالع- لا هذه ولا تلك، فأكثر مقالاتنا إن لم تكن كلها كانت ملاحظات حرجة ودقيقة، وتكشف لنا واقعا مزيفا، لا يشبه أحلامنا ولا طموحاتنا، وتضعنا أمام أخطاء كارثية وقعت فيها الإدارات الجامعية.

وكنت أتوقع أن تأتينا ردات فعل إيجابية وسريعة حيال ما نكتبه من ملاحظات أو نعرضه من مقترحات، أو على أقل تقدير العمل -ولو عن بعد- على التحقق من عقلانية النقد ومصداقية الملاحظة وشفافية الطرح، صحيح أن الجهات التي كنا نعنيها بالنقد كانت تصاب بالخوف والقلق والتوتر رغم محاولاتها التظاهر بعكس ذلك، مع العلم أن ظهور مثل هذه الأعراض لم يكن هدفا مباشرا لنا، لكنها بلا أدنى شك تظل نتائج جانبية تكشف حالة من الضعف والقصور تكتنف الإدارات الأكاديمية بمختلف أطيافها وميولاتها.

أسوأ الإدارات الجامعية تلك التي لا تتفاعل مع الإعلام ولا تتجاوب مع الإعلاميين، ولا تتقبل الحوار الحر، وتتضايق من النقاش المفتوح، ولا يربطها بالإعلام إلا حساباتها الرسمية على وسائل التواصل الاجتماعي أو ما يفرض عليها بشكل رسمي، مثل هذه الإدارات -أيها السادة والسيدات- لا تبني للصالح العام، ولا يعتمد عليها في تحقيق روئ الدولة وطموحات القيادة وآمال الأكاديميين وتطلعاتهم.

كنت أظن أننا في عصر التقنية الرقمية وثورة وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة قد تخلصنا من تلك الصورة النمطية لذلك الموظف الكسول المهمل الذي يرن جرس الهاتف بجانبه وأمام عينيه، وهو في مكتبه يدخن السيجار ولا يبالي بالرد عليه أو يأتيه مراجع أضناه تعب التجوال بين مكاتب الموظفين فيقول مصرفا إياه تلك المقولة الشهيرة «راجعنا بكرة»، إلا أن الواقع غير ما نظن، فعلى سبيل المثال: اتصلت (أنا) بمكتب رئيس إحدى الجامعات أستفسر منه عن موضوع ما، فلم أجد موظفا واحدا قد شرف نفسه بفضيلة الرد على استفساري، فاتصلت عدة مرات وفي أوقات متفاوتات ولكن دون جدوى! للأسف مثل هذه الكائنات المسخ لم تنقرض من الإدارات بعد!

وقبل نهاية الفصل الدراسي الماضي حاولت (أنا) التواصل مع وكيل الدراسات العليا والبحث العلمي بصفتي الإعلامية لا الأكاديمية، أستفسر منه عن نظام البدلات المعمول به في الجامعة لديهم، ولكن للأسف باءت كل محاولاتي بالفشل، ثم تواصلت مع رئيس الجامعة للغرض نفسه، فلربما ولعل وعسى أجد لديه إجابات منطقية أو ما يكبح في نفسي فضول العلم بالشيء، إلا أن الرئيس لم يكن أحسن حالا من وكيله، ذرية بعضها من بعض!

يا ترى ما سر هذا الصمت والتجاهل؟ هل هو انزواء وبعد عن الأضواء وزهد في الظهور! لا أظن ذلك، فمواقع الجامعات وحساباتها تعج عجيجا بأخبار دشن واستدشن وتمدد واستعرض، ترى هل هو تجاهل لنا وللإعلام ومحاولة منهم لتغييبه وإبعاده عن ساحتهم؟ على المستوى الشخصي تجاهلهم لا يضرنا ولا يعني لنا شيئا، أما على المستوى العام فيفترض ألا يكون لهم الخيرة من أمرهم، فهم عمال لدى الوطن، وما قدموه للمواطن بالنظام فواجب لا فضل لهم فيه وأما ما زاد من الاستحباب فلهم أجر النية وحسب.

وأغلب الظن أن عدم تجاوب هؤلاء مع الإعلام غير الموجه يرجع لسبب واحد لا شريك له، الفساد والفساد فقط، وإلا فما تفسير هذا التناقض الغريب العجيب: من جهة نلاحظ حركة من الدعاية الترويجية لنجاحات وهمية هلامية لا وجود لها إلا في خيالاتهم، ومن جهة أخرى يتوارون عن الأنظار ومواجهة الرأي الآخر، ويلوذون بالصمت لئلا يفضحون، كما لو كانوا طرشانا، وعلى العموم نحن في الميدان وظنوننا وإن كانت ظنونا إلا أنها خير من يقين الجاهل، فظنون العاقل كما يقال كهانة!

drbmaz@